الحريري في الرمال المتحركة

كتب الصحافي و المحلل السياسي غسان سعود اليوم مقالاً حمل عنوان ” الحريري في الرمال المتحركة ” وصف فيه وضع المرتبك للرئيس سعد الحريري اليوم، خاصة بالنسبة للسعودية، مقارنة مع الحريري الأب.

نص المقال :

عام 2005، كان تعداد الدول المتدافعة للاستثمار بسعد الحريري يحتاج سطوراً كثيرة. أما اليوم، فتركيا غير مهتمة البتة، وقطر أيضاً؛ الولايات المتحدة لا تملك بُدلاء مقنعين، لكن برودتها تؤكد اكتفاءها من “تجربة المجرّب”. أما فرنسا، فانتقلت من التفاؤل إلى الإحباط والقرف والرغبة بالانتقام. وبدورها، يمكن لدولة الإمارات أن تعطي الحريري مَسكَناً مُطلاً على البحر يلتقي فيه مع عائلته، كما يمكنها أن تضع بتصرّف نائبه السابق عقاب صقر، صندوقاً مالياً لإدارة غرفة عمليات إعلامية تستقطب وتُشغّل عدداً كبيراً من الكُتّاب والصحافيين والناشطين السياسيين (مع تركيز هائل لكن فاشل على بيئتيّ التيار الوطني الحر وحزب الله)؛ لكن لا يمكنها أن تفعل للحريري أي شيء إضافي نتيجة التزامها بعدم استفزاز السعودية.

أمّا مصر، فمكانتها المعنوية مهمة لكل زعيم من الطائفة السنية؛ لكن لا مال ولا حضور ميداني في لبنان، ولا قدرة إقليمية على الضغط السياسي، وهي لا تُقارَن بأي شكل في عقل وعاطفة “الحريريّ”، بالسعودية؛ السعودية_ التي قال عنها النائب السابق وليد جنبلاط، إنّها “لا تريد أن يُشكّل الحريري الحكومة”.

هذا “التخلّي” يسبب لرئيس الحكومة السابق ضياعاً كبيراً. في هذا السياق، يقول أحد المقرّبين من الأخير إنّ ارتباط آلـ الحريري المالي بالمملكة مهم جداً، لكن الأهم هو الرابط المعنوي والعاطفي.

كان يمكن الحريري الأب أن يقول لنفسه وللآخرين إنّه رئيس حكومة بفضل ذكائه وماله، وهو بفضل رئاسته للحكومة اللبنانية انتزع ثقة السعودية وبنى لنفسه حضوراً في الخارج. إذ كان رفيق الحريري يستخدم إنجازه المحلّي لبناء مكانة في الخارج. أما سعد ففعل العكس تماماً: استخدم ما تبقى من مكانة في الخارج، ليفرض نفسه في الداخل. وقد استمد كل شرعيته من قرار المملكة للاستثمار به لبنانياً.

ولو اختارت المملكة أن تستثمر وتدعم في الإعلام والإعلان وحقائب المال والتوصيات الدبلوماسية النائب السابق سليم دياب، لكان دياب هو زعيم تيار المستقبل اليوم. هذا كلّه حاضر بقوة في ذهن سعد، كما يقول أحد المقربين منه. وهو يؤكد اعتقاده، خلافاً لوالده، أنه لا يساوي شيئاً من دون المملكة. وهذا ما يدخله في حالة سياسية صعبة جداً؛ ليس من شهر أو شهرين إنّما منذ حادثة الخطف.

“عاد الحريري من المعتقل السعودي شخصاً مختلفاً بالكامل”، يقول أحد أبرز من رافقوه في تلك المرحلة: كان ابن عمته، نادر الحريري، أحد أبرز من عملوا مع رئاسة الجمهورية والمعنيين في باريس لاستعادته، وإذ بسعد يقطع كل العلاقات معه بُعيد عودته.

وفي السياق نفسه، برز حقد حريريّ رهيب على رئيس حزب القوات اللبنانية سمير جعجع، حيث القناعة الحريرية راسخة بوقوف سمير جعجع خلف كل النقمة السعودية عليه. والواضح هنا، استناداً الى ردّ فعل سعد بأنه يعتقد أن ابن عمته قد يكون أخطأ بتسريب كل ما سرّبه، وأن الأزمة كان يمكن أن تُحل بشكل آخر.

أحد المقربين من الحريري يؤكد شعوره الشخصي الدائم بأنّ الحريري كان يفضل أن يفعل كل ما يريده ولي العهد السعوديّ، بدل أن يظهر أمامه بمظهر القادر على الاستفادة من علاقاته الدولية لكسر كلمة الأخير في مملكته. كسر كلمة أو حتى رغبة بن سلمان في المملكة ليس تفصيلاً يمكن للأخير أن يتناساه أو يتعايش معه. ولعلّ الحريري لا يجاري رئيس الجمهورية في الاعتقاد بأنه أنقذه؛ لعله يعتقد أنّ “استرجاعه” جسدياً كان بمثابة إنهائه سياسياً. لعلّ رئيس الجمهورية يفترض أنّه “خدمه” إلا أنّ الحريري لا يعتقد ذلك.

يقول أحد رجال الأعمال الحريريين إنّ الحريري لا يعرف ماذا يفترض به أن يعتقد. المصدر نفسه يقول إنّ الحريري يرى أن ابن عمته وغيره لا يعرفون السعودية كما يعرفها هو. فهم في نهاية الأمر لا يحملون جنسيتها ولم يمضوا حياتهم بين قصور أمرائها: “ما يحصل في قصور الأمراء أو في طائراتهم الخاصة يبقى في القصور والطائرات، ولا يخرج أبداً”.

وفي النتيجة، يمكن لباريس أن تقدّم بعض الوعود، ويمكن لمصر تقديم الدعم الكلامي، ويمكن للإمارات تقديم مجموعة شاليهات للحريري وأصحابه، لكن لا شيء من هذا يسمح للحريري باستعادة أنفاسه والقدرة على مواصلة حياته السياسية التي توقفت لحظة اقتياده من  الطائرة إلى السجن.

تابعنا على فيسبوك

قم بكتابة اول تعليق

Leave a Reply

لن يتم نشر بريدك الالكتروني في اللعن