آية أبو الحسن _ بين النفط الإيراني وحكومة الإنقاذ… الأميركي ينتقل من التعطيل إلى التأليف السريع
انعطافٌ سريعٌ شهدته طريق المعسكر الأميركي نحو انهيار لبنان، لينقله من الدأب على وضع العصي في عجلة تأليف الحكومة إلى المضي سريعاً نحو الدفع بها نحو التأليف، مشهدٌ يعكس حجم القلق الأميركي من دخول حزب الله على خط حلّ الأزمة بعد أن بات دخول الفيول الإيراني إلى لبنان “حتميّاً” ، و يتلخّص المشهد بما يلي : إمّا الاتفاق على صيغة نهائية لتأليف الحكومة خلال ٧٢ ساعة و إمّا دخول الفيول و الغاز و الدواء الإيراني.
أهمية دخول الفيول الإيراني إلى لبنان
تدخُّل حزب الله في ملف المحروقات شكّل هاجساً كبيراً لدى المعسكر المحاصِر للبنان لأنّ هذه اللحظة الحاسمة ستشكل تحولاً كبيراً في الاقتصاد اللبناني ، حيث أن المحروقات هي عصب الحياة المعيشية و الاقتصادية و الطبيّة، و بحسب مطلعين على الملف ستستفيد شريحةٌ كبيرةٌ من هذا الفيول أهمّها قطاع الكهرباء و المستشفيات، كما أنه سيشمل كل احتياجات السوق اللبناني في المراحل المتقدّمة ، و هي خطوة كبيرة جدّاً في طريق حلّ الأزمة، لكنّ النقطة الأهم و التي تشغل بال الأميركي و أجندته في لبنان اليوم هو خفض حاجة السوق اللبناني إلى دولاره الذي خنق به اقتصاد لبنان في السنتين الماضيتين، بعد أن أكّد الأمين العام لحزب الله أن استيراد الفيول من إيران سيكون بالليرة اللبنانية ، الأمر الذي سيشكّل تأثيراً إيجابياً على سعر الليرة من شأنه إجهاض كلّ سبل تأزيم الوضع الإقتصادي في لبنان ، فإلغاء الطلب على الدولار لإستيراد المحروقات له تداعيات اقتصادية كبيرة لن تقتصر فقط على حلّ أزمة المحروقات التي يعاني منها اللبنانيون لأن سعر صفيحة البنزين سيثبت عند ال80 الف ليرة وسعر صفيحة المازوت سيثبت عند سعر ال50 ألفا، بل سيساهم في تقليص الضغط على حاجة السوق للدولار و بالتالي سينخفض سعر صرف الدولار ليلامس ال ٧٠٠٠ ليرة لبنانية فقط، بحسب ما أكّده خبراء اقتصاديون، و بالطبع فإن انخفاض سعر صرف الدولار إلى هذه القيمة بعد أن لامس عتبة ال ٢٤٠٠٠ للدولار الواحد الشهر الماضي سيكون له انعكاسات مهمة في انعاش السوق و الحركة الاقتصادية و قيمة الأجور… و هو إنجازٌ كبيرٌ في تاريخ لبنان سيسجّل لحزب الله فقط دون سواه.
الفيول الإيراني يغيّر الموقف الأميركي
و لمّا كان الهدف إغراق لبنان للإنقضاض على حزب الله من قبل “معسكر السفارة”، انقلب السحر على الساحر و صار الحزب قاب قوسين أو أدنى من الخروج بلبنان و شعبه من دوّامة الأزمة منتصراً ككلّ الحروب التي خاضها، فتحرّك المعسكر بأقصى سرعةٍ كي يُغلق بوجه حزب الله جميع الأسباب التي تدفعه إلى إستيراد الفيول من إيران، أهمها غياب الدولة و الحكومة، كما قال الأمين العام لحزب الله السيد حسن نصر الله أكثر من مرّة في خطاباته الأخيرة أنّ مسؤولية حلّ أزمة المحروقات تقع على عاتق الدولة و الحكومة حصراً لكنّ أمر إحياء الدولة بات أمراً ميؤوساً منه بعد التعطيل الممنهج لتشكيل حكومة إنقاذ وطني ، فسارعت السفيرة الأميركية دورثي شيا للقاء الرئيس المكلف نجيب ميقاتي و رئيس الجمهورية ميشال عون في يوم واحدٍ داعيةً إياهما للإسراع في الاتفاق على تشكيل الحكومة، بالإضافة إلى نقلها تمنيات على الرئيس الحريري من أجل عدم التصويب على ملف تشكيل الحكومة ليسير بأمان، بحسب ما نقله مقرّبون ، فأضحى الدخان الأبيض على فوّهة المدخنة بين ليلة و ضحاها، فالاتفاق جرى سريعاً على توزيع الحقائب كما لم نرَ سرعةً كهذه من قبل أسابيع، نذكر بين قوسين أن مصدراً مقرّباً من بعبدا أكّد لوكالة “نيوز ليبانون” أن حزب الله نال حقيبة وزارة الأشغال بدل وزارة الصحة كما أن حقيبتي الداخلية و الطاقة من نصيب التيار الوطني الحرّ.
و في مسألة الدعم، نقلت شيا لحاكم مصرف لبنان رياض سلامة أمراً بعدم وقف الدعم و طرحت وعوداً بتسهيلات أميركية لفتح الإعتمادات لدى المصارف الأميركية، ليُسارع سلامة إلى فتح اعتمادات لباخرتي فيول على سعر ال ٣٩٠٠ ليرة بعدما كان قد أعلن قبل أيام أن المصرف لا إمكانيات لديه بالعملة الصعبة لفتح اعتمادات جديدة، و ذلك بعد يوم واحد من إعلان السيد نصر الله أن الفيول الإيراني سيأتي “حتماً” إلى لبنان.
هذا فضلاً عن الزيارة المفاجئة لمدير المخابرات الأميركية وليم بيرنز إلى لبنان في خضمّ الانشغال الأميركي بالانسحاب من أفغانستان و تداعياته ، ممّا يشير إلى القلق الأميركي من هذا الانعطاف و خسارة الرهان في لبنان على اخضاعه ، خاصّة و أن ملف ترسيم الحدود اللبنانية البحرية مع فلسطين المحتلة لم ينتهِ بعد و لم يؤمّن الأميركي بعد للإسرائيلي الأمن الذي يوفّر له الاستمرارية قبل خروجه من المنطقة خاصة و أن الإسرائيلي أثبت أنه عاجزٌ على المواجهة منفرداً في ظلّ تطوّر حركات المقاومة التي تحيط به من كلّ الاتجاهات. و في هذا السياق كشفت مصادر متابعة لزيارة بيرنز إلى لبنان في صحيفة الشرق الأوسط السعودية التي يمولها ولي العهد السعودي محمد بن سلمان ، أن الحركة الأميركية الأخيرة “تتركز على قطع الطريق أمام توافر الشروط التي تعتقد ان حزب الله ربط تدخله في سوق المحروقات بتوافرها”. وهذا يعني ان على الاميركي التحرك لتسريع تشكيل الحكومة والحفاظ على الدعم حتى يبدأ العمل بالبطاقة التمويلية وتوفير تمويلها.
و في الإطار عينه، شهد هذا الأسبوع تطوّرات سريعةٍ في ملف المحروقات، بعد أن أصبح قدوم الفيول الإيراني إلى لبنان مسألة توقيت فقط، و دون أي إنذارٍ مسبق نزلت قوات الجيش اللبناني و قوات الأمن بكاملها لتواجه محتكري مادتي المازوت و البنزين و تكشف عن الكميات الهائلة المخزّنة، و هي خطوة كانت يجب أن تحصل منذ بداية الأزمة، لكن الاحتكار كان يخدم المخطط الأميركي في تضييق الحصار لذلك لم يُواجَه، خطوة الجيش و القوى الأمنية جاءت أقرب إلى الاستعراض منها إلى الشعور بالمسؤولية، و الهدف الخفيّ من هذه الخطوة هي إفراغ السوق بالكامل من المحروقات لزيادة الضغط و الحاجة إليها و بالتالي التحكّم بالأسعار . علاوة على ذلك، لا يمكن أن يمرّ مشهد التخريب و الحرائق المتنقّلة التي استهدفت يوم أمس محطة تحويل الكهرباء في منطقة دقيقة من بيروت “قصقص” و مركز “أوجيرو” للاتصالات بالإضافة إلى إحراق محطة بنزين في الضاحية الجنوبية و إطلاق النار على الجيش مرور الكرام، فهي أحداثٌ ليست بريئةً ، و التي سبقها منذ أيام استهداف محطات الكهرباء التابعة لمؤسسة كهرباء لبنان بالتخريب الأمر الذي أدى إلى خروج ٧ منها عن نطاق الخدمة، كل هذه العمليات منظّمة و تُشابهُ أعمال استهداف أبراج الكهرباء من قبل داعش في العراق، هذا التخريب يهدف إلى تأخير حلّ أزمة الكهرباء فالفيول لا يجدي نفعاً بدون محطة كهرباء.
قم بكتابة اول تعليق