كتبت صحيفة “النهار” تقول: في زمن بدء العد العكسي للانتخابات النيابية التي من المقرر ان تجرى في الخامس عشر من أيار المقبل ما لم يطرأ ما يحول دون اجرائها، يبدو واضحا ان اللبنانيين بدأوا يشهدون نماذج من مخاضات سياسية واقتصادية ومالية لدى اركان السلطة والطبقة السياسية في معظمها مختلفة عما حفلت به الحقبة السابقة. ففيما تنتظر البلاد ما ستسفر عنه الجلسات الماراتونية ل#مجلس الوزراء في السرايا المخصصة لدرس الموازنة على ان تقر في صيغتها النهائية في جلسة أخيرة في قصر بعبدا الخميس المقبل، فاجأ رئيس الوزراء نجيب ميقاتي الرأي العام الداخلي صباح امس بقرار الفصل الحاسم بين الموازنة كلا، ومسألة بل أم المعضلات الكهرباء التي يبدو انها ستخصص بخطة منفصلة بما يعني موازنة رديفة منفصلة لئلا تتضخم نسبة العجز في الموازنة بما يزيد عن عشرة في المئة. وعكس موقف رئيس الحكومة ضمنا المعطيات التي تشير الى مناهضة وزارية واسعة جدا للاتجاهات التي كان وزير الطاقة يزمع المضي فيها للاكتفاء بالحصول على سلفة تقليدية للكهرباء من دون ربطها بالخطة الإصلاحية الجذرية الموعودة للكهرباء.
وبصرف النظر عن سقوط الثقة العامة محليا وخارجيا بكل الخطط الموضوعة سابقا ولاحقا للكهرباء التي تعتبر المسبب الأول والاكبر للمديونية المخيفة في لبنان وفضيحة الفضائح في الفساد المتجسد بعدم انشاء معمل كهربائي واحد جديد منذ انفجار الحلقة الأولى للانهيار التاريخي الذي يضرب لبنان، فان الاتجاه الى اسقاط اعتماد السلفات المتعاقبة لمؤسسة كهرباء لبنان والإصرار على انجاز خطة منفصلة للكهرباء لا تقترن بمشروع قانون الموازنة وتكون مستقلة يوحي بان للامر صلة مباشرة بالمفاوضات الأولية بين الحكومة وصندوق النقد الدولي باعتبار انه ليس سرا ان المجتمع الدولي بأسره، بات يدرك الخطورة الأساسية لملف الكهرباء على مجمل الواقع الاقتصادي القاتم في لبنان. ولكن المعلومات التي توافرت لـ”النهار” اشارت الى ان اعلان ميقاتي من بعبدا امس الفصل بين الموازنة وملف الكهرباء سبقته أجواء سادت الجلسات الأخيرة لمجلس الوزراء في السرايا وأظهرت رفضا واسعا لاي استسهال بعد الان في معالجة كارثة الكهرباء بالسلف المالية علما ان بعضهم لم يأل عن توجيه انتقادات لاذعة الى وزير الطاقة والمياه وليد فياض من خلال القول بان “ما نسمعه اليوم عن الكهرباء لا يختلف في شيء عما كنا نسمعه عام2011 ” بما يضمر ذلك من غمز من قناة وزراء “التيار الوطني الحر” المتعاقبين على وزارة الطاقة منذ ذلك التاريخ والنتائج التي افضت اليها سياساتهم. وبدا ان الاتجاه الجديد النهائي هو الى انجاز خطة مرحلية او بعيدة المدى تمول نفسها بنفسها للكهرباء ولا تحتاج الا الى دعم محدود قبل بدء وضعها موضع التنفيذ، وبعد وضعها منفصلة عن الموازنة تحال على مجلس الوزراء لاقرارها. وفهم ان الاجتماع الذي عقده ميقاتي عصر امس مع وزير الطاقة والمدير العام لمؤسسة كهرباء لبنان كمال حايك خصص للبحث في هذه الخطة.
وغداة الجلسة الأخيرة في السرايا لمجلس الوزراء لدرس مشروع موازنة 2022 وترك مسألة سلفة الكهرباء خارجها ، زار ميقاتي قصر بعبدا للبحث في ملفي الموازنة والكهرباء مع رئيس الجمهورية ميشال عون، بعد ان كانا اتفقا امس على جلسة لمجلس الوزراء الخميس المقبل في بعبدا لاقرار الموازنة في صيغته النهائية.
واعلن ميقاتي على الأثر انه ” ستكون مبدئيا سلفة الكهرباء خارج الموازنة المرسلة الى مجلس النواب. ويجب ان نعتمد اما وجود الكهرباء بشكل دائم ام لا، فالحل المجتزأ واعطاء سلفة في كل مرة على غرار ما كان يحصل خلال السنوات الثلاثين الماضية، هو امر يعارضه الوزراء، نحن نحتاج الى خطة كاملة وواضحة للكهرباء نعلم من خلالها متى ستتوافر 24 ساعة في اليوم، وما هو وضعنا في الوقت الراهن. لقد اتفقنا على ارسال الموازنة الى مجلس النواب من دون مسألة الكهرباء، على ان يتم درس هذا الموضوع في مجلس الوزراء ويرسل من خلال مشروع قانون منفصل الى المجلس النيابي”.
هذه الأجواء “الكهربائية” لم تحجب التحضيرات لجلسة “عادية” دعي اليها مجلس الوزراء الثلثاء المقبل في السرايا وأدرجت على جدول اعمالها ٧٦ بنداً بدا لافتا فيها انها تتناول مختلف الشؤون العامة ولا تنحصر في الاطار المالي والاقتصادي فقط . واكتسب هذا الامر دلالة لجهة انه عكس “تحرر” رئاسة الحكومة من الشرط الذي وضعه الثنائي “امل” –”حزب الله ” لدى عودته عن مقاطعة جلسات مجلس الوزراء بحصر المواضيع التي يبحثها المجلس بملف الموازنة والشؤون ذات الصلة بخطة التعافي الاقتصادي . وهو الامر الذي اثار تساؤلات عما اذا كان الثنائي صار في مرحلة تجاوز شرطه ولاي دوافع وأسباب .
في سياق اخر وقبل أيام من وصول الوسيط الأميركي في المفاوضات غير المباشرة لترسيم الحدود البحرية الجنوبية بين لبنان وإسرائيل ايموس هوكشتاين الى لبنان الثلثاء المقبل حاملا مقاربة جديدة للمفاوضات أرسلت وزارة الخارجية قبل ايام برسالة إلى الأمم المتحدة رفعتها مندوبة لبنان الدائمة لدى الأمم المتحدة امال مدلي وهي الأولى من نوعها منذ عام 2011 بناء على توجيهات من رئاسة الجمهورية وتمثّل إعلاناً رسمياً صريحاً بنقل التفاوض بشأن الحدود البحرية اللبنانية الجنوبية من الخطّ 23 إلى الخطّ 29، مع الإحتفاظ بحق تعديل المرسوم رقم 6433 في حال المماطلة وعدم التوصّل إلى حلّ عادل.
وشددت الرسالة اللبنانية على أنه “رداً على الادعاءات الإسرائيلية، بشأن دورة التراخيص الأخيرة التي أطلقتها الحكومة اللبنانية، لمنح ترخيص للاستكشاف في عرض البحر، والادعاء بأنها تقع في أماكن بحرية اسرائيلية، يؤكد لبنان أن جميع الأعمال المشار إليها تقع ضمن المنطقة الاقتصادية الخالصة التابعة للبنان، وغير القابلة للتنازل عنها”. وأشارت إلى أن ” لبنان يذكر بالحجج القانونية والميدانية الثابتة التي سبق وعرضها، على طاولة المفاوضات غير المباشرة والتي تسمح له بتوسيع نشاطاته الاقتصادية جنوباً”.وأكدت أنه “احترامًا لمبدأ “الخط التفاوضي” الذي لم تتوصل إليه بعد المفاوضات غير المباشرة، لا يمكن الادعاء بأن هناك منطقة اقتصادية اسرائيلية خالصة مثبتة، بعكس ما ادعى الجانب الاسرائيلي بشأن ما يسميه “حقل كاريش”، مما دفع لبنان إلى الاعتراض الرسمي بموجب الرسالة رقم 1120-أ/2021 المؤرخة 18/09/2021 المتضمنة في الوثيقة (812/2021/S–351/76/A) على أي أعمال تنقيب في المناطق المتنازع عليها تجنباً لخطوات قد تشكل تهديداً للسلم والامن الدوليين”.
واضافت أن “لبنان يدعو مجلس الأمن إلى مطالبة الجانب الاسرائيلي وجوب الالتزام بما سبق أن طالب به في رسالته المتضمنة في الوثيقة رقم 1085/2021/S المؤرخة 27 كانون الأول 2021، والامتناع عن أي نشاط في المناطق المتنازع عليها، بما في ذلك منح حقوق لأي طرف ثالث، والقيام بأنشطة استكشافية أو بأعمال حفر او بالمفاوضات غير المباشرة، وتركيز الجهود على الدفع قدماً بالمفاوضات غير المباشرة، كما يدعو جميع الاطراف الثالثة المعنية إلى احترام موقف لبنان المشروع”. وأكدت أن “لبنان ما زال يعول على نجاح مساعي الوساطة التي يقوم بها الوسيط الأميركي، ويؤكد الالتزام بالتوصل إلى حل تفاوضي لمسألة الحدود البحرية، برعاية الامم المتحدة، ما يعني معاودة المفاوضات من حيث توقفت بمعزل عن أي شروط مسبقة سوى الالتزام بالقوانين الدولية المرعية الاجراء. في هذا السياق، نذكر أنه لحينه لم يقم لبنان بأية خطوات إضافية احتراماً لمبدأ الوساطة . كما يحتفظ لبنان بكامل حقوقه، في رفع أية مطالب لاحقة ومراجعة حدود منطقته الاقتصادية الخالصة، كما تنص المادة الثالثة من المرسوم رقم 6433 تاريخ 1 تشرين الاول 2011، إذا فشلت المفاوضات غير المباشرة في تحقيق التسوية التفاوضية” .
يشار في هذا السياق الى ان مجلس الامن الدولي عقد جلسة تم خلالها البحث في القرارات الدولية بشأن لبنان، وأبدى موقفاً إيجابياً تجاه استئناف عمل مجلس الوزراء اللبناني، وشدد المجلس على ضرورة التحقيق بحوادث الاعتداء على قوات اليونيفيل. ودعا أعضاء مجلس الأمن جميع الأطراف اللبنانية إلى تنفيذ سياسة ملموسة للنأي بالنفس عن أي صراعات خارجية، على النحو المنصوص عليه في الاعلانات السابقة، ولا سيما إعلان بعبدا 2012.
قم بكتابة اول تعليق