ترأس البطريرك الماروني الكاردينال مار بشارة بطرس الراعي قداس الاحد في كنيسة السيدة في الصرح البطريركي في بكركي عاونه فيه المطرانان حنا علوان وانطوان عوكر، امين سر البطريرك الاب هادي ضو، القيم البطريركي العام الاب جان مارون قويق، في حضور النائب ابراهيم كنعان مع وفد من العائلة، وحشد من الفاعليات والمؤمنين.
بعد الانجيل المقدس، القى الراعي عظة بعنوان “من تراه الوكيل الامين الحكيم”، قال فيها: “كل مسؤولية في العائلة والكنيسة والمجتمع والدولة، هي في مثابة وكالة لتأمين الخير العام، خير كل الذين هم في عهدة المسؤول. فينبغي أن يتحلى بالأمانة والحكمة، لكي يستمر وفيا لموكله وللأشخاص الموكل عليهم ولواجبه. فلا يستغيب موكله، ويقول: إن سيدي سيتأخر مجيئه(متى 24: 48)؛ ولا يسيء للأشخاص الموكل عليهم، ويبدأ يضرب رفاقه (آية 49) ؛ ولا يخون واجبه، فيأكل ويشرب مع السكيرين(آية 49). ويذكر الرب يسوع بأن المسؤول سيؤدي حسابا لله الديان. وسيكون خلاصه أو هلاكه الأبدي مرتبطا بأمانته أو بخيانته. فإن كان أمينا وحكيما، أقامه سيده على كل ممتلكاته (آية 47). وإذا كان غير أمين وحكيم فصله وجعل نصيبه مع الكافرين (آية 51). يسعدني أن أحييكم جميعا من كنيسة الكرسي البطريركي في بكركي، بعدما كنا نحيي قداس الأحد من الصرح البطريركي في الديمان، وقد أمضينا ثلاثة أشهر مع أبنائنا نيابتي جبة بشري وإهدن-زغرتا من الأبرشية البطريركية”.
وتابع: “أوجه تحية خاصة لعائلة المرحوم الشيخ يوسف ابراهيم كنعان، الذي ودعناه مع زوجته وأولاده منذ شهر. إنا نجدد تعازينا الحارة لزوجته وأولاده وعائلاتهم وانسبائهم، وعلى الأخص لإبنه النائب في البرلمان اللبناني عزيزنا المحامي الأستاذ ابراهيم كنعان، ونصلي لراحة نفس الشيخ يوسف. إنه حاضر دائما في صلاتنا وفكرنا بفضل مزار السيدة العذراء الذي شيده في ساحة الصرح الخارجية، والذي يؤمه زوار هذا الصرح. يتضح لنا من كلام الرب يسوع في إنجيل اليوم أن المسؤولية التزام وتصرف بأمانة وحكمة، مع إدراك المصاعب والإغراءات، فينتصر عليها المسؤول، ويحفظ نفسه منها. لكن الأمانة تفترض المحبة في قلب المسؤول. فلا يستطيع أن يكون ملتزما واجب مسؤوليته، إذا لم يكن في قلبه حب لموكله ولواجبه وللأشخاص الموكل عليهم. وليتذكر المسؤول أنه بفعل حب وثقة أسندت إليه المسؤولية. الأمانة تقتضي المبادلة بالحب والبقاء على مستوى الثقة. أما الحكمة، وهي من مواهب الروح القدس السبع، فتبلغ ذروتها في مخافة الله. ذلك أنها ممارسة للمسؤولية تحت نظر الله، والانتباه الدائم إلى مرضاته في كل عمل وتدبير. ولذلك يستلهم المسؤول أنوار الله وكلامه ورسومه، فينتصر على المصاعب، وعلى الإغراءات والتجارب. ويتضح أيضا أن كل واحد وواحدة منا سيؤدي في مساء الحياة حسابه لدى الديان العادل عن كيفية ممارسة مسؤوليته الشخصية على ضوء الأمانة والحكمة. أعني رعاة الكنيسة، أساقفتها وكهنتها، والمكرسين والمكرسات، والمسؤولين السياسيين، والأزواج والوالدين، والشبيبة”.
وأضاف: “في هذا السياق، إن دور جميع المرجعيات الدينية والسياسية والحزبية هو نشر ثقافة السلام والحرية والقانون في نفوس شبيبة لبنان، لا ثقافة الحرب والخنوع والعنف. ثقافة السلام والحرية والقانون تبني المجتمعات والأوطان بروح نضالية إيجابية. ليس السلام ضعفا ولا العنف قوة. السلام بناء والعنف هدم. جميع الأنظمة التي قامت على الاستبداد وثقافة الحرب والعدائية سقطت تدريجا، أما المجتمعات التي قامت على الديمقراطية وروح التضامن فبقيت وازدهرت. إننا نعول على الحكومة الحالية، لاسيما على رئيسها الذي أكد لنا، في زيارته الكريمة بالأمس، عزمه على العمل، لكي تتخطى المعوقات الكثيرة الناشئة أمامها من الأقربين قبل الأبعدين، وتنطلق في ورشة الإصلاح فورا التي بدونها لا نجاح ولا مساعدات ولا تضامن عربيا ودوليا. وبقدر ما يحتاج لبنان، في أزمته الكبيرة، إلى مساعدة أصدقائه والمؤسسات النقدية الدولية، يجب أن تحافظ الدولة على استقلال البلاد وسيادتها وعلاقاتها الطبيعية، فلا يكون بعض المساعدات العينية غطاء للهيمنة على لبنان والنيل من هويته ودوره المسالم في هذا الشرق. إن مصلحة لبنان تحتم عليه أن يحترم التزاماته، وأن يبقى الإصلاح وإعادة الإعمار في إطار وطني موحد. وإنا نتمنى أن تكون الحكومة العين الساهرة على مصلحة لبنان، وصاحبة كلمة الحق الجريئة”.
وقال: “إنا نوصي الحكومة بشبيبة لبنان. فمصير لبنان يتعلق بمصير شبيبته. فلا إنقاذ من دون تأمين مستقبل زاهر للشبيبة على أرض آبائهم وأجدادهم، فيجددون التراث الوطني والروحي. هذا هو الإنجاز العظيم الذي يحيي الثقة بوجودنا. شبيبة لبنان هم دورة الحياة وإرادة التغيير. هم مستقبل التاريخ وقوة الحاضر وأمل المستقبل. ولى زمن كان يقال فيه: لو أن الشبيبة يعرفون. لم يعد العمر معيار
المعرفة. شبيبة العالم يسيطرون اليوم على اقتصاد المعرفة ويتولون مسؤوليات الحكم في بلدانهم، ويديرون شؤون البشرية من خلال مؤسسات التكنولوجيا والاتصالات. يكفي أن نوفر لشبيبتنا التعليم والأمن والحرية، وهم يتكفلون بالباقي. لكن أين دولة لبنان من واقع شبيبة لبنان. إن أخطر ما يؤلم شبيبتنا هو شعورهم بالتهميش وبعدم اكتراث الحكومات المتعاقبة لحاجاتهم ومعاناتهم ومشاكلهم. وما يضاعف حسرتهم هو دفعهم إلى الهجرة، وإبعادهم عن المشاركة في الحياة الوطنية العامة، واعتبارهم خطرا على الجماعة السياسية المتحكمة بالشأن العام وتديره كشأن خاص. وأكبر دليل على إهمال الدولة هموم الشبيبة هو تخطيها مطالب الانتفاضة الشعبية منذ 17 تشرين الأول 2019 إلى اليوم. يستحيل على شبيبة لبنان أن يثقوا بدولتهم إذا كانت الدولة تعرقل مستقبلهم. دعوا شباب لبنان يحكمونه. دعوا شباب لبنان يصلحونه. فلكي يكون المستقبل للشباب يجب أن يكون الحاضر لهم. افسحوا لهم المجال في الحياة الوطنية. لا تخافوا منهم، بل افرحوا وأحبوهم وشجعوهم. وفيما شعب لبنان وأصدقاؤه يريدون له مستقبلا أفضل، فإنا نحرص مع الحريصين على إجراء الإنتخابات النيابية بمواعيدها الدستورية لئلا يصبح تغيير المواعيد، وتعديل القانون القائم، والالتفاف على مشاركة المغتربين ذرائع تهدد إجراء الانتخابات خلافا لإرادة الشعب والمجتمع الدولي. إن اللعب بموضوع الانتخابات من شأنه هذه المرة أن يؤدي إلى أخطار لا أحد يعرف مضاعفاتها. الشعب يريد الانتخابات فرصة لتغيير واقعه الأليم، ومنطلقا لحياة وطنية جديدة. الشعب يريد انتخابات شفافة ونزيهة وبعيدة عن المال السياسي الذي يراهن على فقر الناس لشراء أصواتهم وضمائرهم. لذلك ندعو، منذ الآن، إلى مراقبة لبنانية وأممية للعملية الانتخابية”.
وختم الراعي: “في هذا الظرف الفائق الصعوبة والمهدد للكيان ولمكانة لبنان الدولية ولإفراغه من خيرة قواه الحية، يجب على جميع المسؤولين والعاملين في حقل السياسة أن يضافروا قواهم من أجل إنقاذ لبنان.
إن كرامتنا الوطنية تقتضي منا جميعا المحافظة على صيت لبنان وقيمته ودوره التاريخي وأهميته في منطقة الشرق الأوسط بفضل نظامه الديموقراطي التعددي التعايشي، وموقعه على ضفة البحر المتوسط. فندعو وسائل الإتصال الإجتماعي إبراز وجه لبنان ومجتمعه الإيجابي البناء، فيضعوا جانبا الأمور السلبية، ويتجنبوا الرهان على الخلافات. نصلي إلى الله كي يوقظ فينا جميعا روح المسؤولية وعيشها بالأمانة والحكمة، لمجد الله الأعظم، الآب والإبن والروح القدس، الآن وإلى الأبد، آمين”.
بعد القداس، استقبل الراعي المؤمنين المشاركين في الذبيحة الإلهية، كما التقى النائب كنعان وافراد العائلة لشكره على مواساته لهم بفقدان الشيخ يوسف كنعان.
قم بكتابة اول تعليق