ترأس متروبوليت بيروت وتوابعها للروم الأرثوذكس المطران الياس عوده، قداس الأحد في كاتدرائية القديس جاورجيوس.
بعد الإنجيل، قال في عظته: “إن صغر النفس عند الشعب العبراني، عندما ضل في الصحراء، آل به إلى التذمر على الله وعلى موسى، بعد أن أخرجاه من أرض مصر. شعر هذا الشعب أن العبودية أكثر احتمالا من حياة الصحراء القاسية، وعميت عيونه عن مشاهدة عطايا الله. ألا يشبه شعبنا الشعب العبراني في هذا الموقف؟ أنقذ الرب بلدنا وعاصمتنا من بلايا كثيرة، آخرها إنفجار كارثي ربما كانت نتائجه ستكون أكبر بكثير لولا العناية الإلهية. طبعا لا نقصد أن الله حمى أناسا وآخرين أسلمهم إلى الموت، طبعا لا، لكن إجرام الشرير كان يمكن أن يشمل الألوف. مع هذا، ومع أن الشعب يعلم جيدا أن زعماءه مسؤولون بشكل أو بآخر عما حدث، لا نزال نرى غالبية ساحقة من الشعب تتبع الزعماء وتهتف لهم عوض مطالبتهم بالعدالة وبتسهيل عمل القضاء والمساهمة الفعالة بكشف الحقيقة”.
وأضاف: “يهرع البشر نحو العبودية لزعماء هذا العالم وأسياده، الذين عوض أن يقوموا بما يخلص شعبهم من الأزمات، يفتعلون الأزمة تلو الأخرى حتى يبقوا مطبقين على رقاب الشعب المخنوق أصلا بالأعباء المعيشية التي أغرق فيها. ارتكب الشيطان اختلاسا للسلطة، لأنه لم يملك سلطة الموت إلا على الذين انجرحوا بشوكة الخطيئة. أما الأحرار فلن يقوى عليهم شيء، حتى الموت، لأن كلمتهم الحرة ستبقى تصرخ شاهدة للقيامة من موت العبودية للخطيئة والذل والهوان.
وقال: ” تدعونا الكنيسة دائما، من خلال الآباء القديسين، إلى أن نجد النعمة المختبئة داخل الآلام والأحزان والمصائب. إن لم نفعل هكذا، أصبنا باليأس، وأنهينا حياتنا بأيدينا، وقد سمعنا في الآونة الأخيرة عن لبنانيين يئسوا من صعوبة الحياة وسواد الرؤية فأقدموا على الإنتحار لأنهم لم ينظروا باب النعمة المفتوح ضمن غرفة بلدنا المظلمة.”
وتابع: “فيا أبناءنا الأحبة، لا تنجروا وراء أحد على هذه الأرض الفانية، لأن من يقبل باستعبادكم أو من يتسبب بكل ما تقاسونه في هذه الأيام الصعبة ليس من الله، لأن الله إله محبة وحرية وشعبه محبوب وحر. إتبعوا فقط من يرشدكم نحو الرب، ومن يطبق المحبة الحقيقية والتضحية والرحمة في كل مجالات حياته، وتقبلوا منه صليب الطاعة، التي هي نقيض العبودية، والتي تبدو صعبة التطبيق لكنها هي التي تتحدنا بمشيئة الله. فالمسيح أطاع حتى الموت، موت الصليب، لكنه تمجد بالقيامة البهية. أما من يستعبدكم من البشر والزعماء فهم يفتشون عن مصالحهم ولا يأبهون إلا لسعادتهم حتى لو كانت على حسابكم وحساب حياتكم ومصالحكم”.
وقال: “المسؤولون والزعماء الذين لم يدم قلوبهم تفجير قلب العاصمة، وسقوط الضحايا، وتدمير المنازل والأحياء، ولم يحرك ضمائرهم وضع اللبنانيين المزري، الذين يموتون جوعا ومرضا وذلا، كانوا غير مبالين بضياع الوقت والفرص. سنة مرت والبلد يتخبط بلا حكومة تتحمل المسؤولية وتعمل من أجل الإنقاذ، فيما كانوا منشغلين بتقاسم الحقائب والحصص، يتلهون بالمطالب والفيتويات والمناكفات. أما الآن، وقد توصلوا إلى تأليف حكومة، فأملنا أن يشكل أعضاؤها فريقا واحدا متجانسا يتطلع إلى هدف واحد هو العمل بنزاهة وإخلاص وتواضع وزهد ونكران للذات، ودون تردد أو إضاعة للوقت، من أجل وقف التدهور وبدء مسيرة الإنقاذ، مقدمين المصلحة العامة على كل مصلحة. الطريق شاق وصعب ويتطلب جهودا كبيرة، لكن من قرر القيام بعمل، وهو مقتنع بجدواه، لا بد سينجح. أنظروا حولكم. في البلدان المجاورة حولوا أرضهم الموحشة إلى معمورة، وجعلوا من الصحاري واحات تنبض بالحياة، فيما نحن حولنا بلدنا إلى خربة وشعبنا إلى متسول. بلدان المنطقة تحاول تسوية أوضاعها وتحسين حياة شعوبها، وتتطلع إلى المستقبل، فيما لبنان يحتضر بانتظار تحالفات وتسويات. لنصل معا لكي يلهم الرب الإله رئيس وأعضاء الحكومة الجديدة من أجل القيام بكل عمل صالح لخير لبنان وبنيه، بمحبة وصدق وتفان وتضحية، بعيدا من المحاصصات والنكايات والكيديات، وبعيدا من كل عامل خارجي يؤثر سلبا على وطننا. المسؤولية صليب على المسؤول أن يحمله ونظره إلى فوق لكي يستحق القيامة ويبلغ النجاح”.
وختم عوده: “دعوتنا اليوم أن نؤمن بالمخلص الذي بذل نفسه على الصليب من أجل أن يخلصنا من الموت الناتج من الخطيئة، وأن نتعلم منه هذه المحبة العظمى التي قد تقودنا أحيانا كثيرة إلى الألم، لكن نهايتها ليست سوى فرح قيامي لا يزول”.
قم بكتابة اول تعليق