جمعيات المجتمع المدني.. هويّة أميركية و أهداف سعودية فتنوية

_ آية أبو الحسن _   جمعيات المجتمع المدني بين حراك ١٧ تشرين حتى انفجار مرفأ بيروت في ٤ آب  انكشفت أهدافها و تمويلها دون أي مجهود، فيوم 17 تشرين قد دخل تاريخ لبنان الحديث من بابه العريض , بالنسبة للعموم , أمّا من المنظور السياسي , قد يكون القشّة التي قسمت ظهر الوطن , بعد أنّ رسّخ الانشقاق عاموديّاً بين مختلف الأطراف و أسقط جميع الأقنعة التي حاول البعض الإحتماء بها , فظهر المشهد جليّاً بين معسكرين أوّلهما معسكر “الممانعة ” و الذي أيقن أنّ البصيرة و الوعي هما السلاحان لاحتواء نتائج الأحداث , و الثاني معسكر مشرذم قوامه ” أيتام من الرابع عشر من اذار”  و هم سياسيون أمعنوا فنّ القدح و الذمّ و الافتراء طيلة خمسة عشر عاماً دون أن يحقّقوا أيّة نتيجةٍ ملموسةٍ , الّا أنّ أخطر ما أضيف الى هذا المعسكر خلال الأعوام القليلة الماضية هم شخصيات و جمعيّات ارتدوا لباس المجتمع المدني و أطلقوا العنان لخطاباتهم الوطنية لكن سرعان ما تكشّفت أنيابهم و نواياهم التي أوقعت بهم , و ما خفي وراءهم هو الأعظم.

برزت في الآونة الأخيرة أسماء لأحزاب و جمعيات أطلقت على نفسها اسم “المجتمع المدني” , و أخرى جمعيات تتلقى الدعم من جهات خارجية أو ما يعرف بال “أن جي أو”  , و يلاحظ أن هذه الجمعيات لم تتخذ مسافة واحدة من الأطراف السياسية , انّما معنت باستغلال أي حدث طارئ في البلاد من أجل تجييش الرأي العام ضدّ محور المقاومة و تصويب السهام نحو سلاح حزب الله  , و من هذه الأحزاب حزب ” سبعة ” , ” طلعت ريحتكن ”  , ” بدنا نحاسب ” , ” مواطنون و مواطنات في الدولة ” بيروت مدينتي ” , من أجل الجمهورية ” و غيرها من الأحزاب التي انضمّت الى هذا اللواء , و اللافت أنّ حزبي الكتائب و الوطنيين الأحرار قد انضمّا الى هذه التجمّعات على الرغم من الماضي الميلشياوي و السلطوي لكليهما , بالإضافة الى مجموعة ” مستمرون ” التي تمثّل قوى الرابع عشر من اذار و ” لقاء الجمهورية ” الذي يمثل الرئيس السابق ميشال سليمان و مستشار اللواء أشرف ريفي , من هنا بدأ الانعطاف المثير للريبة  , حيث بدا جليّاً أنّ ما لم يحقّقه معسكر الرابع عشر من اذار في المعترك السياسي قرّر خوضه بلباس المدنية بدعم مادّي و اعلاميّ هائل من قبل التحالف الخليجي- الأميركي , إذاً هي ليست إلّا أحزاب سياسيّة لديها أجندة مدروسة و على ارتباط موثّق بسفارات خارجية. 

و لا يخفى على أحد التصريح الخطير الذى أدلى به وكيل وزارة الخارجية الأميركية ديفيد هيل , خلال جلسة استماع أمام مجلس الشيوخ في الكونغرس , أنّ بلاده أنفقت عشرة مليارات دولار خلال سنوات على القوى الأمنية و المجتمع المدني في لبنان من أجل مواجهة ما أسماه “ارهاب حزب الله”  , كما كان قد سبقه في العام 2010 مساعد وزير الخارجية في ذلك الوقت جيفري فيلتمان و الذي صرّح بأنّ واشنطن أنفقت 500 مليون دولار في لبنان من أجل تشويه صورة حزب الله , و لما كان دعم الولايات المتحدة للجيش و القوى الامنية يقتصر على عدد قليل من الأسلحة و العتاد الخفيف و المهترئ و بضعة أقنعة لمواجهة فيروس كورونا , تتضح الصورة التي أفصح عنها مموّلو هذه الجمعيّات , هي ليست بريئة و تتقاضى أجورا طائلة بهدف التصويب على المقاومة في محاولة لسلخها عن بيئتها. 

أمّا بالنسبة للدور المريب الذي تسعى اليه هذه الأحزاب و الجمعيّات سنعود أدراجنا الى العام 2000 حين واجه العدوّ الصهيوني أكبر خيباته حين اندحر جارّاً أذيال الخيبة من أرض الجنوب , و ليس خفيّاً أن أكثر ما أوجعه و آلمَ أعزّاءه مشهد اللبنانيين الذين تقاطروا من كلّ المناطق و المذاهب ليلتفوا حول المقاومة و قائدها , ثمّ توسّع هذا الاحتضان ليطال أغلب الشعوب العربية من المغرب حتى الخليج العربي و التي رفعت اعلام المقاومة و صور السيد حسن نصر الله في مشهد لم يكن الصهيوني ليتوقّعه , و هو صاحب الشعار الأشهر ” فرّق تسد” . ثمّ شاهد العالم مشهد العزّة لدى تبادل الأسرى حين وقفت كلّ مقامات الدولة من الرئيس اميل لحود الى الرئيس رفيق الحريري والرئيس نبيه برّي الى جانب قائد المقاومة على أرض مطار بيروت لاستقبال الأسرى المحرّرين , فما كان من العدوّ الّا وضع خطّة للدخول من قلب لبنان لينحر رقبة المقاومة من داخلها , فهو لا و لن يكتفي بفلسطين أرضاً له , انّما التوسّع للوصول حتّى الفرات هو سعيه الدؤوب. 

مخطئ من يظنّ أن تسلسل الأحداث منذ اغتيال الرئيس رفيق الحريري حتّى انفجار الرابع من آب من العام الماضي مجرّد صدفة , انّما هي خليّة أحداث مترابطة تُرسم في غرفة عمليات واحدة , فهو سيناريو واحد على الرغم من تبدّل أدوار الممثلين فيه , منذ الاغتيال المدبّر للرئيس الحريري  , أنشأت السفارة الأميركية معسكر 14 اذار و دعمته بكلّ الوسائل المادية و الإعلامية , لوضع سوريا , الظهر الحامي للمقاومة , في خانة الاتهام  ,  من هنا بدأ الحديث عن نزع سلاح المقاومة في العلن للمرّة الاولى , و لما  كان الأميركي متمسّكا بهدفه ضحّى بالمزيد من أرواحه , فتسلسلت أحداث الاغتيالات من معسكر الرابع عشر من آذار , حتى اندلعت حرب تموز , و تكشّف تواطؤ عملاء الداخل مع العدو الصهيوني , لعلّ أبرزهم كان مروان حمادة و غيره ..حينها دمّرت الضاحية و بيوت الجنوبيين و البقاعيين  , و ظنّ العدوّ أنّ بيئة المقاومة ستطعنها في الخاصرة , لكنّ الكلمة كانت مدوية “فدا إجر المقاومة و السيد حسن ” , من هنا التمس العدو أنّ لا حلّ عسكري لانتزاع سلاح المقاومة و سلخها عن بيئتها الشعبية الحاضنة , فانتقل بعد هذه المرحلة الى إنشاء جمعيات “المجتمع المدني” و سهّل له كل ما يحتاجه من أموال و أبواق إعلامية مفتوحة قد تكاد لا تمرّ ساعة الّا و ذُكر فيها إسم” حزب الله” على هوائها . 

هي ليست تهمة كيدية في وجه هذه الأحزاب المستجدّة على الساحة الوطنية , إنّما هي نفسها هذه الأحزاب و الجمعيّات أدانت نفسها بنفسها , فحين نعود الى 17 تشرين , عبّر الشارع اللبنانيّ في أوّل أيّام الاحتجاجات عن سخطه من فساد السلطة السياسية و انتفاعها على حساب شعبها ممّا جعل الناس تنفجر غضبا في مشهد عابر للطوائف و المناطق لم يسبق له نظير , الّا أن المشاركين في التظاهرات بدأوا يتحسّسون وجود دعم ماديّ على الأرض , بدأ بتوزيع المياه و الطعام و الجاكيت المضادة لمياه الامطار ثمّ وصل الى حدّ تركيب مسارح ضخمة مجهّزة بوسائل الإضاءة و الصوتيات المتطوّرة و صناعة تمثال لقبضة الثورة و تحويل الساحات الى مساحات للرقص و الهرج بعيدا عن أي تنظيم أو توحيد لصفوف الثورة كما يُفترض أن تكون لتحقق أهدافها , كما تحدّث مشاركون عن بروز أسماء لأشخاص في كلّ ساحة يعرّفون عن أنفسهم ” بقيادات الثورة”  تحيط بهم مجموعة من الشباب الذين يسعون للترويج لهم على أنهم الاختصاصيون في مجال الحراك المدني و المخلّصون الذين يمثّلون البديل الأمثل لوجوه السلطة , و قد عبّر أحد المواطنين الذين شاركوا في الاحتجاجات التي جرت في ساحة العلم في صور , لم يشأ أن يذكر اسمه , عنهم بالقول : ” كانوا مريبين , غامضين , يكتفون بمراقبة الناس و محاولة انتقاء مجموعات و التحدّث اليهم لبثّ أفكارهم التي كانت تتوجّه دائما نحو جهة معيّنة و هي المقاومة.”  , كما أشار اخر الى أنّ “هؤلاء الأشخاص كانوا يرفضون فكرة توحيد صفوف الثورة أو الحوار مع السلطة , كانوا يشددون على بقائنا في الشارع للأكل و الرقص فقط” .  أمّا الفخّ الأكبر الذي أوقعوا أنفسهم به كان التسرّع في استغلال الحراك و ركوب موجة الثورة, بعد أن توحّدت الشعارات فجأة في كلّ الساحات متوجّهة نحو شخص النائب جبران باسيل و عهد الرئيس ميشال عون حصراً ثمّ ما لبثت أن ظهرت الشعارات التي تستهدف سلاح المقاومة و زُجّ بإسم الأمين العام لحزب الله بين السياسيين الفاسدين دون أي سبب واضح , لتتكشّف النوايا الخبيثة للأيدي الخفيّة التي تتحكّم بالحراك و توجّهاته , اذاً من يريد نزع السلاح الوحيد الذي يردع العدوّ الإسرائيلي و من يصوّب السهام نحو الحليف المسيحي الأقوى للمقاومة , ما هو الّا جزء من المخطّط الصهيوني للإنقلاب الداخلي عليها , و قد بدا جليّاً أن من تنكّروا بقناع المجتمع المدني معظمهم ينتمون الى الأحزاب اليمينية مثل القوات و الكتائب اللبنانيّة  , من هنا حذّر الأمين العام لحزب الله السيد حسن نصرالله من استغلال أوجاع الناس لتحقيق مطامع دولية في لبنان على أيدي ضعاف النفوس , فما كان من أصحاب الوعي و البصيرة الّا أن أخلوا الساحات بعد أن رفضوا ان يكونوا جسر عبور لاستهداف المقاومة .

زادت النقمة أكثر بعد فشل المجتمع المدني بتحريف بوصلة الشارع نحو ما يبتغيه , و زاد ضغط المموّلين له عليه , فانفجرت الأبواق الإعلامية بشكل غير مسبوق مستغلّة كلّ كبيرة و صغيرة , حتى موضوع دخول فيروس كورونا الى لبنان لم يسلم من الإستغلال و التوظيف السياسي بعد الاتهام الرخيص لإيران بالوقوف وراء ارسال الفيروس الى البلاد , و بدأ الحصار الاقتصادي يضيق أكثر بعدما استعمل المصرف المركزي لعبة الدولار و خنق الأسواق للتضييق على الناس اقتصادياً , حتّى دقّت ساعة الصفر لتفجير القنبلة الموقوتة التي زُرعت في بيروت , في أكثر الأماكن الحيوية التي تعجّ بالناس , فُجّر مرفأ بيروت في عصر الرابع من آب من العام الماضي , في جريمة هي الأفظع على مستوى التاريخ الحديث , و لم تمر دقائق على الفاجعة التي صدمت العالم حتّى خرج الإعلام المأجور ليتهم حزب الله بتخزين الأسلحة في المرفأ و يشنّ حملة إعلامية أقلّ ما يُقال فيها أنها فاجرة , مستعملاً فيها أرواح و دماء الأبرياء دون أي خجل من أجل الوصول الى أهدافه و هي تأجيج النفوس على المقاومة و شعبها , ليتبيّن لاحقا من مجريات التحقيقات أنّها ليست الّا مادة نيترات الأمونيوم التي خزّنت بطريقة مريبة و مقصودة في المرفأ الى حين أتى دورها , و حتّى الساعة لم يتم الكشف عن مسار التحقيق و لم يُطالب أي أحد من الشارع أو السياسيين بالكشف عنه سوى الأمين العام لحزب الله السيد حسن نصرالله , فالواثق لا يخاف , فإذا كان حزب الله وراء كلّ ما حدث لماذا يتسترون عنه و هي فرصتهم الوحيدة للانقضاض عليه.. و بعيداً عن السياسة، انهالت بعد فاجعة مرفأ بيروت المساعدات المالية و العينية من كلّ أقطار العالم حيث شدّدت الدول المانحة على توزيع المساعدات عبر الجمعيات غير الحكومية، و مَن غير جمعيات المجتمع المدني الأجدر بتسلّمها فبتنا نسمع بأسماء جمعيات لم تكن موجودة من قبل… فأين هي هذه الأموال الممنوحة لضحايا انفجار المرفأ و كيف صُرفت؟ لذا هذه الجمعيات ما هي إلا الوجه الفاسد المتخفّي وراء قناع المجتمع المدني الذي لن يترك الفرصة للسير على خطى من يتهمهم هو بالفاسدين ! 

و تواترت الأحداث الى حين مقتل الناشط لقمان سليم , فقد ظنّ المخطّطون أنّ عودة مسلسل الاغتيالات في هذه الظروف الاقتصادية و السياسية يساعد على اشعال الفتنة و خلق نقمة شعبية على سلاح المقاومة , الّا أنّ دم لقمان ذهب هباءً منثوراً و لم يقدّم مقتله أي خدمة لأحد , رغم محاولات كثيرة لاستغلاله من أقرب المقرّبين اليه. 

و قد يلوم علينا البعض من من لم يتّخذ بعد مكانا له بين كلا الخيارين، أنّ محور الممانعة يتخوّف دائما من سيناريو المؤامرة و يحذّر منها ، فليعد الى التاريخ اذا ليكتشف أنّ العدوّ يخطّط لأبعد بكثير من ما يتخوّف منه محور المقاومة , فهو عدوّ يخطّط و يعدّ مسبقا لأكثر من ثلاثين عاماً قادمة , و لا يكتفي , مثل جميع الأنظمة العربية , بالعيش على ما تؤول اليه الأمور غداً , بل هو من يسعى الى التحكّم بمجريات الأحداث القادمة وفق أيديولوجية تترجم على أرض الواقع عبر غرف استخبارات تتحكّم بمفاصل الدول سياسيا و اقتصاديّا على مستوى العالم , أمّا بالنسبة للبنان فقد وضعت سياسة الاستدانة من الخارج و التي انتهجها الرئيس الراحل رفيق الحريري بالاتفاق المسبق مع الولايات المتحدة الأميركية منذ العام 1992 , حجر الأساس لرهن مصير لبنان حتّى يومنا هذا للولايات المتحدة الأميركية , أليس هذا بمؤامرة أُحيكت منذ ثلاثين عاما و ها نحن نجني حصادها اليوم حين دقّت ساعة الصفر !

تابعنا على فيسبوك

قم بكتابة اول تعليق

Leave a Reply

لن يتم نشر بريدك الالكتروني في اللعن