أكّد الإعلامي والباحث السياسي عباس زلزلي أنّ حلحلة العقد الحكومية و الرئاسية في لبنان لا تحتاج لأكثر من هاتف خارجي لترتيب كل الأوضاع في الداخل، إنما هناك ارتباط إقليمي اليوم لكل الملفات يختص بموضوع ترسيم الحدود البحرية مع الكيان الإسرائيلي، كما نفى زلزلي وجود أي نية لدى الدول العربية لتشكيل حلف ناتو عربي بوجه الجمهورية الإسلامية في إيران، انّما ما حمله الرئيس الأميركي جو بايدن في زيارته الأخيرة إلى المنطقة يحمل أبعادا اكبر من ذلك، منوّها بالدور الذي لعبه الأمير محمد بن سلمان و الأمير محمد بن راشد في موضوع مساومة الأميركي على الواردات النفطية، كما شرح زلزلي أهمية الإستراتيجية التي استخدمها الرئيس الروسي فلاديمير بوتين في حربه ضد أوكرانيا و الغرب من خلفها، مبيّنا أهمية استخدام الغاز في هذه الحرب و ما مدى تأثيره على ملف الغاز اللبناني وغاز المتوسط نظرا لحاجة أوروبا للغاز قبيل الشتاء مما يجعله ورقة ضغط قوية يمكن للبنان استخدامها في عملية التفاوض.
تفاصيل أكثر في المقابلة التي أجراها الإعلامي عباس زلزلي مع وكالة نيوز ليبانون، حاورته خلالها الإعلامية آية أبو الحسن :
١ _ في موضوع تشكيل الحكومة، نلاحظ ان ذات السيناريو يتكرر، حرب بيانات مستمرة بين رئاسة الحكومة رئاسة الجمهورية ، أين تكمن العقدة الأساسية في التشكيل؟ وهل هي عُقد مقصودة لضمان الفراغ حتى موعد الإستحقاق الرئاسي؟
للأسف، في لبنان معظم السياسيين لم يبلغوا بعد سن الرشد السياسي و الوطني في نفس الوقت، و أغلبهم لديهم صداقات مع قوى خارجية تجعلهم يربطون الملفات الداخلية بمصالح الخارج حتى و لو كان لبنان في فترة سماح دولية ، أي أنه و على الرغم من ارتباط الملفات الداخلية اللبنانية بالعوامل الإقليمية ، إلا أنه يوجد فترات سماح دولية، لكن بعض القوى السياسية اللبنانية تصرّ على ربط كلّ الملفات الداخلية بالخارج و على استحضار الوصايات الخارجية. و لعلّ أهم أسباب عدم تشكيل الحكومة حتى اليوم هي النكايات السياسية في وقت يمرّ فيه لبنان بظرف طوارئ غير عادي، فنحن قابعون بأزمة اقتصادية خانقة، و المجاعة موجودة إلا أن بعض السياسيين يبدو أنهم لا يشعرون بها إلى الآن لأنهم لا يشاهدون معاناة الناس عن قرب.
أما بالنسبة إلى العقد التي تحول دون التشكيل، فإن الأمر لن يحتاج لأكثر من إتصال من الخارج، فالإقليم مشتعل، و للأسف نحن لا نستخدم نقطة القوة التي نمتلكها و هي الغاز ، بل حوّلنا هذا الموضوع إلى نقمة بسبب الخلافات و المناكفات الداخلية.
يبدو أنه لا حكومة في المدى القريب، و قد بدى هذا الأمر واضحا منذ تكليف الرئيس ميقاتي و كيفية تسميته، بالإضافة إلى خلافاته مع فريق رئيس الجمهورية، تحديدا النائب جبران باسيل ، و الاتهامات المتبادلة بين الطرفين في أكثر من ملف.
٢_ من المستفيد من عرقلة تشكيل الحكومة؟
كل القوى التي تعرقل مستفيدة من هذه العرقلة دون استثناء ، القوى اليوم تتشبث بحقائب معينة في هذه الحكومة لأنها تدرس جميع احتمالات المرحلة القادمة، فإذا وصلنا إلى فراغ رئاسي، هذه الحكومة هي التي ستحكم.
و من الواضح أنه هناك محاولات لتعويم الحكومة الحالية، حكومة تصريف الأعمال.
إنما ندعو اليوم الجميع إلى العمل بجد لأننا نمر بظرف طارئ و صعب، و هذا البلد للجميع.
٣_ ذكرتَ أننا قد نصل إلى فراغ رئاسي، لكن بدأنا نلمس تقارب بين التيار الوطني الحر و تيار المردة بعد تصريح النائب طوني فرنجية الأخير، فهل سنشهد تسوية رئاسية قبل موعد الإستحقاق الرئاسي كما حصل من قبل؟
الإستحقاق الرئاسي لا يشبه الاستحقاقات الأخرى في لبنان لأنه يرتبط بظروف كثيرة، أولها الرضا الخارجي، ثم الرضا او اتفاق مسيحي لأنه استحقاق مسيحي ماروني بالدرجة الأولى لذلك يحتاج إلى إجماع مسيحي، كما يحتاج إلى موافقة من قبل بقية الأطراف اللبنانية، فلن يصل أي شخص إلى كرسي الرئاسة اذا كان مرفوضا من قبل طائفة بأكملها.
أما بخصوص التقارب بين التيار الوطني الحر و تيار المردة ، فهذا غير كاف، لأن موقع الرئاسة ليس محصورا بهاتين الكتلتين، لأنه لدينا كتلة القوات اللبنانية التي توازي حجم كتلة التيار الوطني الحر ، بالتالي لا يستطيع هذا الأخير أن يفرض ما يريد ، صار لديه ندّ اسمه القوات اللبنانية، فبات الجلوس على طاولة للحوار أسهل لأنّ كلا الكتلتين اصبحتا متوازيتين فتستطيعان التحاور على عكس المرحلة السابقة حيث كان التيار الوطني الحر يفرض ما يريد من منطلق القوة كونه الأقوى مسيحيا.
هنا تجدر الإشارة إلى أن هناك شبه إجماع من بعض الدول الشقيقة التي لها دور في هذا الإستحقاق أن موضوع الرئيس القوي الذي هو رئيس أكبر تكتل نيابي قد أثر سلبا على الوضع الداخلي في لبنان، لذلك فالرئيس القادم يجب أن يكون رئيسا بفعله لا بحجم كتلته النيابية، و هذا الرئيس سيكون بين القوات و التيار الوطني الحر ،قد يكون قائد الجيش مرشحا، أيضا سليمان فرنجية قد يصل إلى سدة الرئاسة، فهو صديق السعودية و صديق سوريا كما أنه مقبول اميركيا، و لديه علاقات مع الجميع في لبنان. و في هذا السياق نذكر عظة البطريرك الأخيرة و التي حدد فيها مواصفات للرئيس القادم، و بها استثنى الراعي كلاً من سمير جعجع و جبران باسيل من خلال المواصفات التي حددها، فهو يجب أن يكون غير منخرط بمحاور، فجبران باسيل منخرط بمحور و جعجع أيضا منخرط بمحور آخر على الرغم من نفيه لهذا الأمر. و يُقال أنه لدى البطريرك أكثر من اسم لرئاسة الجمهورية في جعبته إلا أنه لا يريد حرق هذه الأسماء الآن حتى ينكشف ما يريده الأميركي و السعودي و السوري.
يبقى الخلاف في لبنان مسيحي فقط، و هو كذلك منذ بداية عهد الرئيس ميشال عون ، كما أن الانتخابات النيابية التي جرت كانت محتدمة فقط في الشارع المسيحي من أجل كسر جبران باسيل لأنه حليف حزب الله.
٤_ تشهد المنطقة تصعيدا خطيرا لم تشهده منذ العام ٢٠٠٦ ، بعد أن بدأنا نلمس التقارب في فيينا، ثم بين السعودية و إيران، وصولا إلى التقارب السوري الإماراتي ، فجأة انقلبت الأحداث وبدأنا نشهد تصعيدا شديد اللهجة بوجه إيران، و يبدو أن زيارة الرئيس الأميركي جو بايدن إلى المنطقة تحمل عناوين كبيرة، من جهة الحديث عن دفع “إسرائيل” نحو الانخراط أكثر في الشرق الأوسط عبر التطبيع، كما هناك حديث عن انشاء ما يشبه حلف ناتو عربي بوجه إيران.
ما صحة هذه المعطيات و ماذا يحمل بايدن في جعبته هذه المرّة؟
أولا العامل الذي أوصل المنطقة إلى هذه الحالة المستجدة هي الحرب الروسية الأوكرانية حيث كان الرئيس بوتين مدركا لما يدور حوله و استبق الأمور و اتخذ قرار الحرب، كما أنه يستخدم سلاحين قويين في هذه الحرب، الغاز و الروبل، مما افتعل أزمة مالية و اقتصادية تمثلت في تضخم اقتصادي في أوروبا و في الولايات المتحدة الأمريكية التي وصل التضخم فيها إلى حد ال ١٠ بالمئة، لذلك لجأ بايدن إلى الدول المصدرة للغاز و النفط من أجل زيادة وارداتها لكي ينخفض سعر برميل النفط و لينخفض بذلك التضخم، الا ان هذه الدول و على رأسها المملكة العربية السعودية و الإمارات العربية المتحدة ساومتا بايدن، من هنا فإن زيارة بايدن إلى المنطقة هدفها الطاقة بالدرجة الأولى، فالرئيس الأميركي يريد أن يصالح الأمير محمد بن سلمان على خلفية اتهام الصحافة الأميركية له بجريمة قتل الصحافي جمال خاشقجي، و هذا فوز يسجل للأمير بن سلمان باستدراج رئيس الولايات المتحدة الأمريكية إليه و بشروطه .
كذلك يحاول الرئيس بايدن البحث عن الغاز البديل عن الغاز الروسي و هو الغاز المتواجد اليوم في منطقة شرق المتوسط تحديدا في سوريا و لبنان و الذي هو اصلا متنازع عليه مع العدو الإسرائيلي، من هنا أتى الاهتمام و اللعبة السياسية و التحدي في خطاب الأمين العام لحزب الله السيد حسن نصر الله الأخير و الذي يُعتبر خطاب اعلان حرب. كل هذه الأمور ساعدت في خلط الأوراق.
إن لبنان اليوم في أضعف أيامه اقتصاديا و لكن بإمكاننا أن نراهن على الغاز الذي كان له مفعول أقوى من استخدام النووي كما استخدمه الرئيس الروسي فلاديمير بوتين في الرد على الغرب.
لذلك يمكننا استغلال حاجة الأميركي و الإسرائيلي لهذا الغاز ، فنحن لا شيء لدينا لنخسره بل بيدنا ثروة يمكننا استخدامها من أجل المساومة من موقع القوة مع الأميركي و الإسرائيلي، هذا الكلام يتطابق و خطاب السيد حسن حين قال “ما بعد بعد كاريش” أي أن المقاومة ستمنع الإسرائيلي من الاستخراج والتصدير حتى في المناطق غير المتنازع عليها.
هنا يجب على كل مواطن و كل لبناني شريف أن يدافع عن هذا الموقف لأنه شأن وطني و ثروة وطنية بغض النظر عن جميع الخلافات الداخلية، علينا استغلال هذه اللحظة من أجل لي ذراع الأميركي نظرا لحاجته الملحّة للغاز، كما فعل الأمير محمد بن سلمان بابتزازه لرئيس أكبر دولة و أقوى دولة، والسعودية لن تتمكن من الاستمرار في زيادة صادراتها من النفط لوقت طويل على الرغم من قدوم بايدن شخصيا.
كذلك، لا شك أن دول الخليج العربي و بعد خروج الأميركي من العراق و أفغانستان استشعروا الخطر بتسليم المنطقة إلى إيران، كما يريد الأميركي مواجهة تعاظم الصين و روسيا في المنطقة، لذلك قام بايدن بهذه الزيارة ليقول أنه لا يزال يتواجد في المنطقة.
أما بالنسبة إلى الحديث عن ناتو عربي جديد بوجه الجمهورية الإسلامية في إيران و الذي كما يُحكى سيضمّ دولا عربيا تشترك بنظام دفاعي عسكري مع كيان الإحتلال ، فهو ولد ميتا، لأن مصر اولا أعلنت انها لن تدخل بأي تحالف ضد إيران، كذلك المستشار الإماراتي أنور قرقاش أعلن ان الإمارات سترسل سفير إلى الجمهورية الإسلامية في إيران لإعادة العلاقات بين البلدين، كما أكد أن دولته لن تدخل في مواجهة مع إيران، بالإضافة إلى الأردن الذي حسّن علاقاته مع إيران في الفترة الأخيرة، وايضا وزير خارجية السعودية فيصل بن فرحان قال إن لا ناتو عربي فمن سيشكل هذا الحلف؟ . للأسف نحن كعرب لا نفرق بين الخصومة والعداء، البعض حوّل العداء لإسرائيل إلى عداء لإيران و لكن حتى ولو بعض الشعوب العربية دخلت في موجة التطبيع نتيجة غسل الأدمغة و تحويل العداء لإيران فقط، إلا أن ضمائر أغلب الشعوب العربية و غير العربية لا تزال حية و كان أكبر مثال على ذلك حملات التضامن مع فلسطين التي جابت العالم اجمع أثناء معركة “سيف القدس”.
٥_ مررنا بشكل مقتضب على موضوع الحرب الروسية في أوكرانيا، لندقق أكثر، فقد أعلنت روسيا عن وقف إمداد أوروبا بالغاز عبر خط نورد ستريم ١ متذرعة بأعمال الصيانة، هل بدأت روسيا اللعب على خطوط الغاز فعلا؟ و ما هي العوامل التي قد تكبح الصراع الروسي_الأوكراني؟
اولا في الحب و الحرب كل شيئ مسموح، ففي هذه الحرب قام الأميركي و الأوروبي بمحاصرة الروسي عند حدوده و وضع منظومات دفاع في حين حذر الروسي مرارا و تكرارا من الإقتراب من حديقته الخلفية، لذلك قام بشن الحرب، و من المؤكد أنه يستخدم الغاز و هو أقل حق له لدعم عملته ردا على العقوبات الإقتصادية التي فرضها الغرب عليه.
يمكن أن يتذرع الزوسي بأعمال الصيانة و لكن هناك احد التوربينات التي تحتجزها كندا بفعل العقوبات.
بالفعل قام بوتين بقلب المعادلة في هذه الحرب، فقد رفع سعر الروبل لدعمه و استخدم الغاز.
و تجدر الإشارة إلى أن حديث السيد حسن نصر الله الأخير يرتبط جدا بموضوع الغاز الروسي؛ لأن منع روسيا الغاز عن أوروبا يعني اضطرارها للبحث عن بديل خاصة و هي على أبواب الشتاء، فالخيارات الأخرى باهظة الثمن، فإما الدفع بالروبل للروسي او اذا وُجد بديل ستكون تكلفة نقله إلى أوروبا عالية و بالتالي ستتضاعف أسعاره و هو امر لا يتحمله الأوروبي و عليه قد تقوم حركات احتجاجية توتر الجو السياسي في أوروبا قد ينتج عنها اقالة مسؤولين لان الشعوب الاوروبية تحاسب حكامها كما حصل في بريطانيا مع رئيس الوزراء بوريس جونسون الذي أجبر على تقديم استقالته بسبب أخطائه.
كما يمكننا الحديث أيضا عن أزمة الحبوب، و التي توصلوا فيها إلى مبادرة البحر الأسود لتمرير الحبوب عبر أوكرانيا بمراقبة تركية لمنع تهريب الأسلحة.
اذا طريقة تعاطي بوتين مع هذه الحرب باستخدامه للغاز و بدعم المصرف المركزي الروسي لعملته الوطنية ، جعلته يتقدم كثيرا في هذه الحرب، و اذا استمر في هذه الاستراتيجية قد نصل إلى حسم هذه الحرب عند بداية الشتاء المقبل لمصلحة روسيا، لأن الأوروبي لا بديل له عن الغاز الروسي، و هنا يجب أن نشير إلى أن البديل يتواجد في البحر الأبيض المتوسط و هنا تكمن نقطة القوة لدينا و يجب علينا استغلالها، في حال لم تندلع الحرب لأن القوى الاستعمارية تجتاح دولا أخرى من أجل الحصول على ثرواتها كما حصل في الاتحاد السوفيتي و أفغانستان و العراق سابقا، الا ان الأحوال اليوم قد تغيرت و أضحى الجميع يتجرأ على الأميرك ي كما فعل أميرا السعودية و الإمارات.
______________________________
🌍 للاطلاع على أحدث الأخبار المحلية والعالمية من وكالة نيوز ليبانون بإمكانكم متابعتنا على الروابط التالية:
قم بكتابة اول تعليق