١٦ أيلول تاريخٌ لا يُمحى من ذاكرة الإنسانية، يسجّل اليوم ذكرى مرور ٣٩ عاماً على مجزرة صبرا و شاتيلا حين استيقظ لاجئو مخيم صبرا وشاتيلا على واحدة من أكثر جرائم الإبادة دمويةً و التي تعدّ من أفظع ما ارتكبه الإحتلال الإسرائيلي و عملاؤه بحق الفلسطينيين في لبنان.
ويحيي اللاجئون الفلسطينيون في لبنان وحول العالم، هذه الذكرى الأليمة سنويًا، مؤكّدين أن المجزرة يستحيل أن تسقط بالتقادم، وأن الحق الفلسطيني لن يموت ولن ينسى، مطالبين بمعاقبة كل من كان له يد بتنفيذها، وبإعادة تفعيل الدعاوى ضد مرتكبي المجزرة، والمطالبة بمقاضاتهم أمام المحاكم الدولية والقصاص منهم.
و بالعودة في الزمن، بدأت فصول المجزرة حينما دخل جيش الإحتلال الإسرائيلي وعملائه في لبنان، مخيم صبرا وشاتيلا للاجئين الفلسطينيين الواقع غربي العاصمة بيروت، ونفذّوا أبشع مجزرة هزّت العالم، بعيدًا عن وسائل الإعلام، عام 1982، ، و قد نفّذ الجريمة جيش الاحتلال بقيادة وزير الحرب آنذاك آرييل شارون، ورئيس أركانه رافايل إيتان في حكومة مناحيم بيغن. و قد بدأت مقدمات المجزرة عندما دخلت ميليشيا الكتائب اللبنانية بمساعدة جيش الاحتلال إلى مخيم صبرا وشاتيلا وارتكبت ما تشاء من مجازر، ولم تفرّق بين عمر أو نوع؛ فكبار السن والنساء والأطفال وحتى الرضع كانوا فريسة سهلة.
أمّا مراحل المجزرة أتت كالتالي : حاصرت ثلاث فرق من جيش الاحتلال وجيش لبنان الجنوبي المخيم، بمئات المسلحين، بحجة البحث عن 1500 مقاتل فلسطيني داخله، علمًا أنه لم يكن فيه سوى الأطفال والشيوخ والنساء، وأطبقت مجموعات ميليشيات حزب الكتائب على السكان، وأخذوا يقتلون المدنيين بلا هوادة. استمرّ القتل 48 ساعة متواصلةً و غطت نيران القنابل المضيئة سماء المخيم ، وأحكمت الآليات الإسرائيلية إغلاقَ كل مداخل النجاة إلى المخيم فلم يُسمح للصحفيين ولا وكالات الأنباء بالدخول إلا بعد انتهاء المجزرة حين استفاق العالم على مذبحة من أبشع المذابح في تاريخ البشرية. وفي صباح يوم الجمعة 17 سبتمبر/ أيلول، بدأت معالم المجزرة تتضح لمعظم سكان المنطقة، بعد أن شاهدوا الجثث والجرافات وهي تهدم المنازل فوق رؤوس أصحابها، وتدفنهم أمواتًا وأحياء. وبدأت حالات فرار فردية وجماعية توجه معظمها إلى مستشفيات عكا وغزة ومأوى العجزة، واستطاع عدد منهم الخروج إلى خارج المنطقة متسللا من حرش ثابت، فيما بقيت عائلات وبيوت لا تعرف ما الذي يجري، وكان مصير بعضها القتل، كما طالت عمليات القتل ممرضين وأطباء فلسطينيين في مستشفى عكا. ونقل شهود عايشوا المجزرة الأليمة، مشاهد لنساء حوامل بقرت بطونهن وألقيت جثثهن في أزقة المخيم، وأطفال قطعت أطرافهم، وعشرات الأشلاء والجثث المشوهة التي تناثرت في الشوارع وداخل المنازل المدمرة. وتضاربت الأرقام بشأن عدد ضحايا المجزرة البشعة، لكن تقديرات تتحدث عن أعداد تتفاوت ما بين 750 – 3500 رجل وامرأة وطفل، قتلوا خلال أقل من 48 ساعة في يومي 16 و17 سبتمبر 1982، من أصل 20 ألف نسمة كانوا يسكنون صبرا وشاتيلا وقت حدوث المجزرة .
و قد وُصفت المجزرة على لسان من شهدها “لا يُمكن تصورها حتى في أفلام الرعب”، كان الهدف الأساس لها “بث الرعب في نفوس الفلسطينيين لدفعهم إلى الهجرة خارج لبنان، وتأجيج الفتن الداخلية، واستكمال الضربة التي وجهها الاجتياح الإسرائيلي في ذلك العام للوجود الفلسطيني هناك”.
واعتبرت منظمة هيومن رايتس ووتش أن ما حدث في صبرا وشاتيلا يصنف ضمن جرائم الحرب والجرائم ضد الإنسانية. وشكلت المجزرة صدمة في العالم لبشاعة ما جرى من قتل بدم بارد وتدمير، فحاولت حكومة الاحتلال التماشي مع الضغوطات وشكلت لجنة تحقيق في 1 نوفمبر 1982، عرفت بـ”لجنة كاهان”. ووجهت اللجنة في نتائج التحقيق التي أعلنت في فبراير 1983، الاتهام الشكلي إلى شارون بالمسؤولية عن المجزرة وتجاهل إمكانية حدوثها، ورفض الأخير هذه الاتهامات واستقال من منصبه كوزير للجيش، لكنه عاد بعد سنوات لتسلم منصب رئيس الوزراء الإسرائيلي.
قم بكتابة اول تعليق