آية أبو الحسن _ ٥ أيار ٢٠٢٢
“ما بعد بعد الحرب الإنتخابية.. انتزاع الحق وفرض السيادة.”
اقترب موعد الإستحقاق الإنتخابي في لبنان ، كحربٍ واضحة المعالم بين معسكرين متناقضين بكل مقوماتهما و تطلعاتهما، في خضمّ الأزمة السياسية و الإقتصادية التي قد تكون الأعنف في تاريخه الحديث، فالمستجدات المحلية و الإقليمية كما العناوين الكبرى هذا العام لا تشبه سالفاتها فالخيار هذا العام يتمحور حول هوية الوطن و خياراته الكبرى في ظلّ المؤامرات و السيناريوهات التي تحيط به.
بدايةً لا يخفى على أحد حجم النقمة الشعبية على أركان السلطة بكلّ ما فيها من مشاركين و متواطئين و عارفين و متلكئين بوجه عنكبوت الفساد المتربص بكيان الدولة، بما قد يعكس مؤشرات سلبية حول حجم المشاركة في الإقتراع هذا العام، إلّا أنّ أهمية التوجّه إلى أقلام الإقتراع في هذا الوقت بالذات كبيرٌ جدًا.
فالمنطقة تشهد تحوّلات كبيرة في مسار الأحداث التي سترخي دون شك بظلالها على لبنان ، أوّلها عودة الدول العربية إلى الحضن السوري بما فيها دول الخليج العربي التي دعمت سابقا بكلّ الوسائل الحرب في سوريا، بالإضافة إلى الاشارات التي بيّنتها التصريحات الخليجية مؤخرا حول عودة الدعم إلى لبنان و الوقوف إلى جانبه في هذه الأزمة، إلى التقارب الإيراني السعودي الذي سيريح الأطراف اللبنانية المعنية ، وقف إطلاق النار في اليمن، الاقتراب من توقيع الإتفاق النووي الإيراني في فيينا بحسب مجرى الأحداث، و أخيرا الملف المحلي الإقليمي الأساس، الوصول إلى ترسيم الحدود اللبنانية مع فلسطين المحتلة عبر التفاوض غير المباشر و التنقيب عن الغاز ، كلّ ما ذُكر من تحوّلات تجعل المشهد في لبنان أوضح، فالمرحلة القادمة بعد الإنتخابات ستؤسس لملامح الخيارات الكبرى المتعلقة بحلّ الأزمة و إعادة التموضع في الداخل و الإقليم، و بشكل خاص اختيار ربّان السفينة التي سيأخذ على عاتقه الوجهة القادمة للخروج القوي و السليم للوطن من قعر الأزمة.
فعن أيّ خيار يجب على اللبناني اليوم أن يبحث؟
بكلّ شفافية و وضوح ، لا يخفى عن القاسي و الداني أنّ شعارات كبرى تمّ طرحها في المعركة الإنتخابية من قبل المحور الخصم لمحور المقاومة، فالعنوان العريض اليوم هو مقاومة ما يسمى ب “الاحتلال الإيراني” و “سلاح حزب الله” و “هيمنته على السلطة” ، في وقت جلّ ما يستجديه المواطن اليوم من يدفع عنه الأعباء الإقتصادية و يؤمن له الطبابة و التعليم لأطفاله ، و هذا ما شهده من قبل محور المقاومة لا غير، سابقا شهد له بأمنه و حياته و كرامته في وجه الخطر الإسرائيلي و التكفيري وصولا إلى وأد الفتنة الداخلية على مدى اعوام آخرها كان منذ شهور في الطيونة، و حاليا عمل هذا الفريق على إنقاذ دور المعجزة و المستشفيات و القرى من انقطاع الكهرباء و المياه و التدفئة عبر تأمين المحروقات على حسابه الخاص، كما لا يمكن أن نتناسى كيف استثمر هذا الفريق خلال الأعوام الماضية في انشاء المستشفيات و المدارس و الحدائق و ترميم البنى التحتية و الطرقات… أما عن العنوان العريض الذي شاع بشكل كبير مؤخرا “محاربة الفساد” ، لا أحد ينكر حجم الفساد في الدولة، الا أن الكل يدرك ان هذا الطرح شبه خرافي بوجود هذا النظام المهترء، فهذه الخطة تحتاج سنوات عدة و اعادة هيكلة الدولة على أساس نظام جديد بعيد كل البعد عن نظام الطائف الذي كرّس مبدأ المحاصصة الطائفية التي حضنت الفساد و حمت الفاسد كلّ هذه السنوات على اساس الاعتبارات المذهبية، و هو بالأمر الغير منطقي بوجود دولة متناحرة طائفيا و مناطقيا ، و من يعي منطق الدولة المعترف به منذ ثلاثين عاما، يعرف تمام المعرفة أن المساءلة و المحاسبة و الملفات القضائية مسيّسة و كلّ يعود إلى وكره الطائفي عندما تقرع طبول الخطر، لذلك فالشعارات المطروحة عن مكافحة الفساد هي محقّة و واجبة انّما التطبيق صعب و قد يحتاج إلى عشرات السنين من العمل و إعادة بناء إدارات الدولة على اساس المساواة و تكافؤ الفرص.
انطلاقاً من صعوبة تطبيق الشعارين المطروحين، يبقى الوصول إلى حل للأزمة الإقتصادية هو الهاجس الأكبر لدى المواطن اللبناني، فالحلول الإقتصادية تكمن، و بحسب إجماع الخبراء الإقتصاديين، في التنقيب عن الغاز و النفط و تحويل الإقتصاد إلى اقتصاد منتج غير ريعي مما يؤمن ضخ للعملات الصعبة في السوق اللبناني الذي يفتقر إلى الانتاج، لأن الودائع المصرفية و الوعود الخارجية من قبل البنك الدولي و الدول العربية لن تسدّ فجوة العجز إنما ستراكم الدين العام الذي هو أساس ما آلت اليه الأوضاع من انهيار اقتصادي.
لذلك فإن مجلس النواب القادم الذي سينبثق منه رئيس جديد للجمهورية و سيعطي الثقة للحكومة يجب أن يكون حرّا ذا قوّة و منطق و سيادة في أخذ القرارات المصيرية من تحديد وجه السياسة الوطنية بما يخدم المصلحة الداخلية دون ارتهان او خوف من ارادة خارجية، و الأهم هو اختيار مجلسٍ يقف في وجه التدخل الخارجي و يسمح بالتوجه شرقا او غربا بكل حرية خاصة في وجه استغلال الإحتلال و محاولاته ترسيم الحدود البحرية بحسب مصالحه، مجلس سيقرر من يلزّم من شركات منقبة عن الغاز بكل حرية بحسب ما تقتضيه المصلحة الوطنية ، إن كان في تلزيم الشركات الأجنبية لإعادة اعمار المرفأ و استجرار الكهرباء من حيث تقتضي الحاجة ،كما أنه الموكّل حماية الهوية اللبنانية المقاومة في وجه قطار التطبيع و التوطين. امّا حول السؤال عن هوية الأكثرية النيابية من عام ٢٠١٨ حتى اليوم و ما كان دورها، فيجب الوقوف عند نقطة ما حصل في تشرين ٢٠١٩ ، اي انها حكمت ما يقارب العام، و الاستفسار عن توقيت هذا التدهور الاقتصادي بالذات و ما كان عمل الأكثرية النيابية السابقة التي استلمت زمام الأمور في البلد منذ عام ٢٠٠٥.
كلّ هذه العناوين الكبرى بحاجة للتأمّل وسط، توقعات كبيرة بالانفراج السياسي ما بعد الانتخابات مما قد يعكس آمالا اقتصادية كبيرة.
قم بكتابة اول تعليق