ماذا تريد “أبو ظبي” من الأسد؟

الأسدكتبت جمانة الصانع في صحيفة رأي اليوم – الجمعة الماضي حطّت طائرة الرئيس السوري بشار الأسد في أبوظبي، التي كانت الغاضب الأول على نظام الأسد والداعمة للمعارضة السورية وشبكة وسائلها الاعلامية، واليقيني أن الإمارات المردوعة من حلفاء إيران في اليمن قد بلورت مساراً متمايزاً عن دول الخليج، يخدم بالمطلق السياسات الإيرانية ويرجح كفة انتصار طهران.

وعن زيارة الأسد التي تأخرت شهرين بعد دعوة رسمية وُجّهت إليه عبر وزير الخارجية عبدالله بن زايد، من المؤكد أنها لم تحصل بالمجان والطرف القوي فيها للأسف هو الأسد، وعلاقات الدول مصالح أولا و آخرا، ولا يمكن تغييب وزير خارجية روسيا لافروف عن المشهد إذ كان قبل ساعات ضيفاً على الإمارات، ووجوده فيها لترسيخ وتكريس حضور روسي في الخليج والإمارات أولا على حساب النفوذ الامريكي والصهيوني المتآكل بسبب صعود المحور المعادي للامريكيين وجسارته التي تجلت في التحدي الايراني بقصف مقر أخطر جهاز استخباري اسرائيلي في أربيل الكردية وقتل ما لا يقل عن خمسة ضباط اسرائيليين.
زيارة الأسد هي  زيارة المنتصر الذي هزم مع حلفائه الإيرانيين والروس دول الخليج  قاطبة، وأفسد على الأمريكيين تقسيم الصيدة (سوريا التي يحكمها الأسد) والتي تهاوشوا عليها وفلتت كما قال حرفياً الوزير القطري السابق الشيخ حمد بن جاسم.
ويبدو أن الامارات الباحثة عن الطمأنينة التي لم يجدوها عند الاسرائيلي والأمريكي، هي بأمسّ الحاجة للمساعدة في إصلاح ما خربته واشنطن بأن دفعت لحرب (عبثية) في اليمن ودفعت بالتوتر الخطير في العلاقات بين الدول المتشاطئة على الخليج، وبالتالي الحضور الروسي والسوري الصديق لإيران باعتباره قناة اتصال حيوية مع حكومة صنعاء بقيادة عبدالملك الحوثي يريح الاماراتي الجاهز لتغيير مواقفه بين ليلة وضحاها فهو لا يعيش العقلية السعودية المحنطة.
 وقد أدرك حكام الامارات أن القوة الاسرائيلية لن تحميهم او تحقق لهم الاستقرار فما زال دوي (الباليستي والمسيرات الحوثية) يقرع آذانهم يوم مرّت من فوق رؤوسهم حين جاء الهجوم الحوثي الأخير على الإمارات بالتزامن مع زيارة الرئيس الإسرائيلي إسحاق هرتسوغ.
الروس والإيرانيون فرحون بقيام الأسد بدور مؤثر جديد في المنطقة لأن (خراجه في النهاية سيكون في سلالهم)، صحيح أن صديقهم متألم ويعيش أزمات اقتصادية كان عاجزاً بسببها عن الفعل السياسي، لكنه يريد أن يتجاوزها، ولذلك قالت مصادر مطلعة أن موافقة الرئيس الاسد على الزيارة سبقتها تعويضات مالية لعائلات الجيش السوري الذين قتل أبنائهم في الاحداث الدامية على يد جماعات كانت محسوبة على السعودية والامارات، وقد بلغت التعويضات الاولية  500 مليون دولار كما تبجحت بذلك شخصيات محسوبة على النظام السوري ولم تقابل بنفي اماراتي.
ونجزم بأن أبوظبي قد تقدمت على شقيقاتها الخليجية في إدراك حقيقة أن دمشق رغم كل ما تعانيه هي القادرة وهي التي تمتلك مفاتيح لحلول يحتاجها حكام الامارات والرياض.
بكل الأحوال، صنعاء ودمشق ستكونان المستفيدتان من زيارة الأسد، وسيجد السعودي نفسه محشوراً في الزاوية وقد ألمح بن زايد لذلك خلال استقباله الأسد بأن «سوريا الشقيقة تعدّ ركيزة أساسية من ركائز الأمن العربي وإن دولة الإمارات حريصة على تعزيز التعاون معها بما يحقق تطلعات الشعب السوري الشقيق نحو الاستقرار والتنمية» واللبيب من الإشارة يفهم!
هو تحول كبير في العلاقات الدولية، ظهر وكأن الرئيس الاسد هو من يفك عزلة الاماراتي وليس العكس، فنظام قبيلة البزنس في دبي وأبوظبي مرتعد من ضربات الحوثيين ويريد الاستعانة بالأسد للتوسط لدى حزب الله والحوثيين لوقف الهجمات، ما يعني أننا سنشهد انفراجة لحلفاء ايران في اليمن يقوي من الموقف الايراني في المفاوضات مع الدول الغربية ويرسخ الحوثي كحاكم الامر الواقع في صنعاء.
الإمارات على ما يبدو أيضاً تدير ظهرها للسعودية ومحور الإعتلال، من خلال تنفيذ أجندة الروس والايرانيين ليس حباً ولكن كي تنجو بجلدها بعد العين الحمراء الإيرانية في اربيل وهي تدرك أن قواعد الموساد موجودة بشكل أكبر في الامارات المكشوفة للايراني.
رغم كل هذه المعطيات يكابر أنصاف المحلّلين على قنوات الإعلام الممولة سعودياً، قائلين بأن حضور الأسد لعاصمة خليجية هو هزيمة للمحور الإيراني وانتصارٌ على رأيهم للعمق العربي، مع أنه من الواضح أنّ حلفاء دمشق (وعلى رأسهم طهران وموسكو) كانا ناشطين في هذا الحراك الذي أفضى إلى القمّة السوريّة ـ الإماراتيّة.
وإنّ اللقاء جرى ضمن حركة سياسية تشمل عموم المنطقة تقريباً، وتهدف إلى خلق واقع جديد يستطيع فيه جميع الأفرقاء العمل على تصفية بعض الأزمات الخطيرة العالقة، أو حلحلتها، ومنها الوضع في سوريا والعراق ولبنان، والحرب على اليمن، والعلاقات العربية ـ الإيرانية، وذلك استغلالاً للضعف الأميركي في المنطقة، وتراجع قدرة واشنطن على الضغط الحازم في هذه الملفات.
وصار من المؤكد أن سوريا ستشارك في قمة الجزائر القادمة وستعود الى مقعدها في الجامعة العربية الصورة واضحة والأهداف تبينت وحقق الحوثيون في الايام القليلة الماضية مكاسب سياسية عديدة أهمها زيارة الأسد للإمارات ودعوتهم من قبل مجلس التعاون الخليجي للحوار والمشاورات، ولذلك نراهم مطلقي اليد في قصف أفرع ارامكو وإيقاف انسياب تصدير النفط السعودي رغم الأزمة العالمية بسبب اوكرانيا والعقوبات على روسيا.
على المعارضة السورية والشعوب العربية أن لا تراهن بعد اليوم على أنظمة الخليج المزاجية المتقلبة فعند مصالحها ومحاولة الخروج من ازماتها يبيعون اقرب اصدقائهم من اجل استقرار عروشهم.
فكل ما تقوم به الإمارات من تحركات يجعل المواطن العربي يضع يده على قلبه خوفا من سياساتها التي ستعترف في يوم من الأيام بالحوثيين كمكون شرعي وما ذلك ببعيد عليها فقيامها بالترحيب بمن كانت تسميه بالطاغية يعد بادرة من بوادر الضعف والوهن والعجز الخليجي وعدم قدرتهم التصدي للمد الإيراني في المنطقة .
واضحٌ أن ملامح شرق أوسط جديد تتشكل، ضعفت فيه حتى سطوة الصهيوني وقوة الضغط الامريكي لصالح الروسي وإيران وجماعتها الذين لهم اليد الكبرى والكلمة الأولى في اللعب بمجريات السياسة الدولية الخاصة بمنطقة الشرق الأوسط وبالتحديد منطقة الخليج واليمن، وأرجوكم أن لا تصدموا قريباً عندما تشاهدون عبدالملك الحوثي ضيفاً مكرماً مبجلاً في دبي وأبوظبي التي سبقته إليهما صواريخه ومسيّراته وسترون..
المصدر: صحيفة رأي اليوم

تابعنا على فيسبوك

قم بكتابة اول تعليق

Leave a Reply

لن يتم نشر بريدك الالكتروني في اللعن