لماذا فقد المريخ محيطاته ومجاله المغناطيسي؟

الخالق سبحانه وتعالى وهب الحياة لجميع مخلوقاته. ورغم أن شمسنا مكان قاس للغاية حيث تنتج كميات هائلة من الإشعاع، فإن التأثير الوقائي للمجال المغناطيسي لكوكبنا جعل الحياة ممكنة على الأرض.

فبدون المجال المغناطيسي، ستجرد الرياح الشمسية كوكبنا من غلافه الجوي، وستتبخر المحيطات وتضيع هباءً في الفضاء.
وهنا قد تنتهي الأرض مثلما انتهى المريخ. فكوكبنا هو الوحيد من بين الكواكب الصخرية في نظامنا الشمسي الذي يمتلك مجالا مغناطيسيا قويا، ومن المحتمل أن يكون وجوده واستمراره أحد الأسباب الرئيسية لاختلاف المريخ والأرض اختلافا كبيرا.
ماذا حدث لمجال المريخ المغناطيسي؟
يعرف العلماء أنه منذ مليارات السنين كان الكوكب الأحمر يحتوي على محيطات ممتلئة بالماء، ويرجع ذلك جزئيا إلى المجال المغناطيسي الوقائي المشابه لمجال الأرض. إلا أن هذا المجال اختفى، واختفت كذلك محيطات الكوكب الأحمر ومياهه.
ومؤخرا، تمكن بحث جديد نشر في “نيتشر كومينكيشن” Nature Communications بتاريخ 3 فبراير/شباط الماضي من تفسير السبب. فقد أعاد الباحثون بجامعة طوكيو إنشاء الظروف المتوقعة في قلب المريخ منذ مليارات السنين، ووجدوا أن سلوك المعدن المنصهر الذي يعتقد أنه كان موجودا على الأرجح قد أدى إلى ظهور مجال مغناطيسي قصير كان مقدرا له أن يتلاشى في النهاية، وهذا ما حدث.

ووفقا لما جاء في تقرير فقد استحوذ المريخ على خيال الناس لعدة قرون كونه أحد أقرب الكواكب إلينا، وقد تمت دراسته باستخدام مختلف المسابير الفضائية غير المأهولة التي استكشفته واستمرت في القيام بذلك.

وعلى الرغم من ذلك، هناك بعض الأسئلة الكبرى التي لم تتم الإجابة عنها حول الكوكب الأحمر، حيث يمكن للإجابات أن تلقي الضوء على ماضينا البعيد ومستقبلنا، نظرا لأن الأرض والمريخ وجميع الكواكب المجاورة قد ولدت من نفس الأشياء في الكون.

وكان هناك سؤال واحد على وجه الخصوص يدور في ذهن البروفيسور كي هيروس من قسم علوم الأرض والكواكب بجامعة طوكيو University of Tokyo: إذا كان هناك مجال مغناطيسي حول المريخ، فلماذا كان موجودا من الأساس وماذا حدث له؟
محاكاة قلب المريخ
قام فريق هيروس بمحاكاة قلب المريخ في المختبر، حيث تم صنع مادة باستخدام مزيج من الحديد والكبريت والهيدروجين، والتي يعتقد أنها موجودة في قلب المريخ.
يقول هيروس في البيان الصحفي للجامعة “المجال المغناطيسي للأرض مدفوع بتيارات الحمل الحراري الضخمة التي لا يمكن تصورها من المعادن المنصهرة في قلبها. ويعتقد أن الحقول المغناطيسية على الكواكب الأخرى تعمل بنفس الطريقة”.

وعلى الرغم من أن التركيب الداخلي للمريخ لم يعرف بعد، فإن الأدلة من النيازك تشير إلى أنه يتكون من الحديد المنصهر المخصب بالكبريت. كما أن القراءات الزلزالية، من مسبار إنسايت التابع لناسا على السطح، تشير إلى أن قلب المريخ أكبر وأقل كثافة مما كان يعتقد سابقا. وهذا يشير إلى وجود عناصر أخف إضافية في قلب الكوكب الأحمر مثل الهيدروجين.

ومن خلال هذه التفاصيل، قام الفريق البحثي بإعداد سبائك الحديد التي يتوقع أنها تشكل اللب ومن ثم إخضاعها للتجارب. تضمنت التجربة الماس والليزر، وعينة تم تجهيزها تحتوي على الحديد والكبريت والهيدروجين “Fe-S-H” والتي يتوقع أنها شكلت نواة المريخ من قبل.
ثم وضع أعضاء الفريق هذا المزيج الحديد والكبريت والهيدروجين بين ماستين، وسخنوه باستخدام ليزر الأشعة تحت الحمراء لمحاكاة درجات الحرارة المرتفعة والضغوط الموجودة داخل قلب كوكب صخري. وقاموا بتصوير ما كان يحدث أثناء الانصهار تحت الضغط، ورسم خريطة لكيفية تغير تكوين العينة خلال تلك الفترة.
سلوك يفسر الكثير
يقول هيروس “فوجئنا كثيرا برؤية سلوك معين يمكن أن يفسر الكثير. تم فصل مادة Fe-S-H المتجانسة في البداية إلى سائلين متمايزين بمستوى من التعقيد لم نشهده من قبل تحت هذه الأنواع من الضغوط”. وكان أحد سوائل الحديد غنيا بالكبريت، والآخر غنيا بالهيدروجين، وهذا أمر أساسي لتفسير ولادة المجال المغناطيسي حول المريخ وموته في النهاية.

الحديد السائل الغني بالهيدروجين والفقير بالكبريت، لكونه أقل كثافة، كان من الممكن أن يرتفع فوق الحديد السائل الغني بالكبريت، والذي يفتقر إلى الهيدروجين، مما يتسبب في تيارات الحمل الحراري. وهذه التيارات، المشابهة لتلك الموجودة على الأرض، شكلت مجالا مغناطيسيا وقائيا حول الكوكب.

وهذا يشبه ما كان يحدث في التاريخ المبكر للمريخ، لكن هذه التيارات قصيرة العمر، ولم تكن لتستمر، فعلى عكس التيارات الحرارية الداخلية للأرض والتي تدوم طويلا للغاية، بمجرد انفصال السائلين تماما، لن يكون هناك المزيد من التيارات لدفع مجال مغناطيسي.
وعندما حدث ذلك، تطاير الهيدروجين الموجود بالغلاف الجوي إلى الفضاء بفعل الرياح الشمسية، مما أدى إلى تلاشي بخار الماء. وفي النهاية تبخرت محيطات المريخ. وهذا ما كان يحدث منذ حوالي 4 مليارات سنة. وربما يعتقد أن الأرض قد تفقد مجالها المغناطيسي يوما ما أيضا، ولكن لا داعي للقلق، فهذا لن يحدث قبل مليار سنة على الأقل.

هذه النتائج، لها آثار في البحث عن الكواكب الخارجية الصالحة للحياة. وبشكل روتيني، فإن المقياس الأساسي لتحديد ما إذا كان كوكب خارج المجموعة الشمسية يمكنه استضافة الحياة هو أن تكون هناك إمكانية لوجود المياه على سطحه، وأن يكون في مكان ليس شديد البرودة أو الحرارة. وربما، يجب أن يكون المجال المغناطيسي القوي مقياسا رئيسيا آخر لتحديد ما إذا كان بإمكان الكوكب التمسك بمياهه.

المصدر : مواقع إلكترونية

تابعنا على فيسبوك 

قم بكتابة اول تعليق

Leave a Reply

لن يتم نشر بريدك الالكتروني في اللعن