تتدرّج عملية عزل إيران من قبل السعودية من الإطار الخليجي بعد اجتماع دول مجلس التعاون الخليجي، الى العربي بعد اجتماع وزراء الخارجية العرب في القاهرة، الى العزل الإسلامي في الاجتماع الاستثنائي العتيد لـ«منظمة التعاون الإسلامي» الذي دعا إليه وزير الخارجيّة السعودي عادل الجبير والذي ستحضره طهران كونها عضوا في المنظمة، إلا أن موعد انعقاد هذا المؤتمر في جدّة لم يحدّد بعد.
في خضمّ الاشتباك المحتدم بين السعودية وإيران على خلفيّة إعدام الشيخ السعودي المعارض نمر النّمر وما أعقبه من حرق لسفارة المملكة في طهران من قبل متظاهرين إيرانيين معارضين لحكم الإعدام، يجد السعوديون والخليجيون متّسعا من الوقت للتدقيق في موقف لبنان الذي سيكون حاضرا أيضا في اجتماع «منظمة التعاون الإسلامي».
يجمع أكثر من مصدر سعودي وخليجي تحدّث الى «السفير» على التعبير عن «سخط خليجي يصل حدّ المرارة» من موقف لبنان في الاجتماع الوزاري الاستثنائي لجامعة الدول العربية الذي انعقد في القاهرة» (يوم الأحد الفائت).
للتذكير، فإن لبنان ممثلا بوزير خارجيته جبران باسيل وبالتنسيق مع رئيس الحكومة تمّام سلام، قرّر الامتناع عن التصويت على قرار الوزراء العرب ونأى بنفسه عنه، وطالب بإزالة الإشارة الى «حزب الله» اللبناني بعد ربطه بأعمال ارهابية في البيان الختامي مسجلا اعتراضه عليه.
ولعلّ «التغريدة» التي دوّنها وزير الدّولة للشؤون الخارجية في الإمارات العربية المتّحدة الدكتور أنور قرقاش التي قال فيها: «إن الموقف اللبناني الرّسمي في الجامعة العربية مؤسف، ينأى بنفسه حين يريد حزب الله ولا يراعي موقع لبنان العربي ومصالح اللبنانيين في الخليج العربي»، يمكن تعميم مضمونها على السعوديين أيضا.
لسان حال هؤلاء أن «السعودية والدول الخليجية برمّتها، آزرت لبنان كلّه بلا تفريق بين طوائفه ومذاهبه، في حين دعمت إيران حزب الله فحسب، وبالتالي من حقّ هذه الدّول أن تنتظر دعما لها من قبل لبنان العربي يتضمّن إدانة واضحة وصريحة للاعتداء على السفارة السعودية في طهران».
لا يقتنع الخيلجيون بحجّة لبنان التي ساقها في الاجتماع الوزاري العربي والمرتكزة على «الحفاظ على وحدتنا الداخلية من دون التخريب على الاجماع العربي»، كما قال باسيل في كلمته.
ويذهب مصدر خليجي واسع الاطلاع الى القول متندّرا: «إنها وحدة إيرانية! كان يفترض بلبنان الاصطفاف بلا لبس الى جانب العرب وإلا لِمَ يسمّي نفسه: لبنان العربي؟»، مضيفا: «للحق وجه واحد وليس وجوه».
لبنان معرّض للعقاب
وردّا على القول إن وزير الخارجية اللبناني جبران باسيل دافع بشكل واضح عن موقف السعودية عبر إعلانه تضامن لبنان معها ضد اﻻعتداء الذي تعرضت له سفارتها وقنصليتها في ايران، وذلك التزاما منه باﻻتفاقات الدولية ورفض انتهاك حرمة اي سفارة او بعثة ديبلوماسية، وخصوصا اذا كانت للسعودية، والتزاما بجامعة الدول العربية، لا سيما المادة 8 من ميثاقها الذي ينص على عدم التدخل في شوؤن الدول الداخلية، يقول المصدر الخليجي الواسع الاطلاع: «نحن لا نريد كلاما فارغا، بل أفعالا ومواقف ناصعة، ولّى زمن بيعنا الكلام المعسول، فقد اكتفينا مراوغة».
ويشير المصدر الى تداعيات أكيدة سوف يتكبّدها لبنان نتيجة موقفه، متوقعا «أن تتمّ إعادة تقييم للعلاقات الخليجية مع لبنان لجهة السياسة الخارجية والاقتصادية، فقد بات لبنان مدرجا على جدول أعمال السعودية والخليج والدول الإسلامية برمتها». مستطردا: «إن سلوك لبنان الخارج عن الإجماع العربي، سيجرّ إليه العقاب».
ويسوق المصدر الخليجي الأسئلة التالية معبّرا عمّا يجول في مواقع القرار الخليجي من أسئلة منها: الى متى سيبقى لبنان خاضعا لـ«حزب الله»؟ والى متى سيبقى قراره الوطني مختطفا من قبل هذا الحزب؟ ويعلّق: إما أن يتحرّر لبنان من «عبوديته» لـ«حزب الله» وإما فليتحمّل تبعات خضوعه غير المفهوم من قبل دولنا الخليجية برمّتها.
ويضيف المصدر الخليجي، ردّا على سؤال «السفير» عن المطلوب من لبنان في الاجتماع الاستثنائي لدول «منظمّة التعاون الإسلامي» المقبل، بقوله: «لا نتوقع شيئا إلا موقفا سلبيا يشبه ما صدر عن لبنان في جامعة الدول العربية، فمن لا يمكنه انتخاب رئيس لجمهوريته لا يمكنه التأثير في قرارات إقليمية وازنة، بنظر السعوديين والخليجيين فإن لبنان بات إحدى محافظات إيران، لا تأثير له ولا موقف».
ويتوقع المصدر الخليجي الواسع الإطلاع أن تحصل إدانة إسلامية لإيران في الاجتماع الاستثنائي لـ«منظمة التعاون الإسلامي» ومقرّها في مدينة جدّة، «إلا في حال تراجعت طهران عن تماديها في المنطقة وتعهدت بتغيير سلوكها».
ويلفت المصدر الى إمكانية اتخاذ «منظمة التعاون الإسلامي» قرارا بـ «تجميد عضوية إيران فيها تمهيدا لرفع انتهاكاتها الى مجلس الأمن الدولي والأمم المتحدة لاستصدار قرار يدين هذه التجاوزات غير المقبولة بعد الآن»، بحسب تعبيره.
برأي السعوديين والخليجيين ليست المسألة مع إيران «قضية هجوم على سفارة، بل هي أعمق من ذلك بكثير، فالدول الخليجية لا تتوخى حربا مع إيران، لكنّها لن تقبل بعد الآن تجاوزاتها وتدخّلها في الشؤون العربية الممتدّة منذ 4 عقود».
من هذا المنطلق، تطلب السعودية من إيران «أن تقدّم اعتذارا صريحا لها على حرق سفارتها في طهران، إذ لا يكفي من وجهة نظرها الأسف أمام مجلس الأمن الدولي».
http://assafir.com/Article/1/466647
نشر هذا المقال في جريدة السفير بتاريخ 2016-01-14 على الصفحة رقم 2 – سياسة
قم بكتابة اول تعليق