ما سيحصل عليه عمّال لبنان من قوى السلطة هو زيادة مقطوعة وهزيلة على الأجور. هذه هي هديّة ما قبل الانتخابات التي جاءت بضغط من رئيس الحكومة نجيب ميقاتي، وباتفاق مسبق بين ممثلي أصحاب العمل والعمال.
هذه نتيجة مداولات لجنة المؤشّر التي تطرّقت إلى أن التضخّم المتراكم بلغ 800%، لكن التسوية على ظهر العمال كانت أقوى بدليل عبارات شقير التي وجّهها لرئيس الاتحاد العمالي العام: ما تخليني إفضحك.
هذه كانت حصيلة الاجتماع. لكن وقائعه تضمّنت دلالات واضحة على هوية الحاكم بأمره في لبنان، أي أصحاب العمل، وعلى التمثيل المزيّف للعمال بقيادة الاتحاد العمالي العام.
فقد حاول رئيس الاتحاد بشارة الأسمر تسجيل موقف يُدوّن في المحضر الختامي للجنة مبدياً اعتراضه على الزيادة، ومطالباً بحدّ أدنى للأجور يبلغ مليوني ليرة.
لكن موقفه انكشف سريعاً، بعد عبارة واحدة من شقير: «ما انت اتفقت معنا. إذا بدك تحكي هيك أنا بفلّ. ما تخليني إفضحك…»! وقد فعلت عبارات شقير فعلها، إذ أسكتت الأسمر وأجبرته على المضي في الاتفاق الذي حيك في غرف مظلمة.
ما حصل لا يرقى ليكون معركة على تصحيح الأجور، بل تسوية انتخابية. ففي الاجتماعات السابقة للجنة المؤشّر، أصرّ أصحاب العمل على أن تكون الزيادة عبارة عن «مساعدة اجتماعية» لا تدخل في أساس الأجر ولا يصرّح عنها للضمان.
وكان شرطهم الوحيد للإقرار بهذه الزيادة والتصريح عنها للضمان ألا تخضع لتسويات نهاية الخدمة التي تترتّب على أصحاب العمل للضمان. بمعنى أوضح، أراد هؤلاء اقتطاع جزء من التعويضات المستحقة للعمال عن نهاية خدمتهم بما يخالف القانون، إذ أنه بمجرّد إقرار زيادة ما على الحد الأدنى للأجور، فإن التصريح عنها يصبح حكمياً.
لذلك، طالب أصحاب العمل بربط الزيادة بإقرار قانون في مجلس النواب لتعديل قانون الضمان وتضمينه عملية الفصل بين تعويضات نهاية الخدمة قبل 2020 وما بعدها.
إصرار وزير العمل مصطفى بيرم على فصل لجنة المؤشّر وظيفياً وجوهرياً عن أي وعود بتعديلات على قانون الضمان مقابل إقرار زيادة مقطوعة للأجور أربك الجميع، ولا سيما الرئيس نجيب ميقاتي الذي يريد تسجيل أي «إنجاز» مهما كان متواضعاً.
لذلك، مارس ضغوطاً على الجميع للتوصل إلى صيغة مناسبة تمنحه «الإنجاز» الذي يبحث عنه لتسويقه سياسياً من دون أن يواجه اعتراض وزير العمل.
وهكذا حصل، فجأة أصبح شقير مهتماً بإقناع بقية شلّة أصحاب العمل بالتصريح عن الزيادة للضمان الاجتماعي، حتى أنه تصادم مع رئيس جمعية تجار بيروت نقولا الشمّاس الذي اعترض على التصريح عن الزيادة للضمان، مستجرّاً ردّ فعل مبالغاً فيه من الأسمر كاد يطيّر الاجتماع لولا تدخّل شقير وتذكير الأسمر بالاتفاقات الثنائية بينهما وقوله «بفضحك».
لكن على ماذا يعوّل شقير حتى قام بهذه الخطوة؟ وهل أصبح أصحاب العمل فجأة محبّين لحقوق العمال؟
بحسب مصادر مطلعة، يعوّل شقير على أن قانون التقاعد والحماية الاجتماعية شارف على الانتهاء من مناقشته في اللجان النيابية، وأنه بمجرّد إقرار هذا القانون سيتم تعليق كل نظام صندوق نهاية الخدمة ونقله إلى نظام التقاعد والحماية الاجتماعية، ما يعفي أصحاب العمل مباشرة من كل التسويات، ويضيّع حقوق العمال في نقاش آخر يتعلق بالمعاش التقاعدي الذي سيحصلون عليه. لذا، فإن أي عمل جاد من قبل أي طرف نيابي، يجب أن يلحظ أن التسويات لا تنتهي بل تنتقل إلى النظام الجديد لتموّل المعاش التقاعدي المستحق لأصحابه.
إذاً، كانت الزيادة «المقطوعة» تحصيل حاصل. لكن ماذا عن انعكاساتها على الضمان الاجتماعي؟
بحسب المعلومات التي أعدّها الضمان بناء لطلب وزير العمل، فإن الزيادة المقطوعة ستخلق تدفقاً مالياً إضافياً لصندوق ضمان المرض والأمومة بقيمة تصل إلى 650 مليار ليرة، لكن سيتم رفع سقف الأجور الخاضع لاشتراكات الضمان من 2.5 مليون ليرة إلى 5 ملايين ليرة ما يؤدي إلى زيادة التدفقات بنحو 200 مليار ليرة، ما يسمح بمضاعفة قدرة التغطية الصحية للضمان بنحو ضعفين.
لكن، بحسب آراء المعنيين، لا تزال هذه التغطية غير كافية لأنها لا تزيد في التغطية التي يقدّمها الضمان في المستشفيات بأكثر من 10% في أحسن الأحوال.
علماً أن تغطية الضمان المنصوص عنها قانوناً تبلغ 90%، لكنها تقدّر فعلياً بسبب تسعير فواتير الاستشفاء بالدولار بنحو 10%، بالتالي سترتفع إلى 15% أو 20% فقط بعد التدفقات الجديدة الناتجة من الزيادة المقطوعة على الأجور.
المصدر: صحيفة الأخبار
قم بكتابة اول تعليق