العثور على سفينة إنديورانس في القطب الجنوبي، بعد أكثر من قرن على غرقها.

اكتشف فريق من العلماء في قاع بحر ويديل (Weddell Sea) أعظم حطام سفينة تم اكتشافه على الإطلاق بعد 107 سنوات من غرق السفينة إنديورانس (Endurance) المفقودة التي كان يقودها مستكشف القطب الجنوبي السير إرنست شاكلتون (Ernest Shackleton) وقاموا بتصويره بالتفصيل.

السفينة إنديورانس حُوصرت في الجليد البحري لأشهر قبل أن تغرق في الأعماق عام 1915 (غيتي)

ويذكر التقرير الذي نشرته “بي بي سي نيوز” (BBC News) في 9 مارس/آذار الجاري أن السفينة كانت قد تحطمت بسبب الجليد وغرقت عام 1915، مما أجبر طاقمها على ترك السفينة والعودة بشكل مذهل في قوارب صغيرة وسيرا على الأقدام.

ويُظهر مقطع الفيديو الخاص ببقايا إنديورانس أن السفينة في حالة ممتازة، وعلى الرغم من أنها كانت تقبع على عمق 3 كيلومترات تحت سطح المياه لأكثر من قرن من الزمن، فإنها تبدو تماما كما كانت يوم غرقها.

حالة رائعة من الحفظ

أخشاب السفينة -على الرغم من تهشمها- فلا تزال متماسكة إلى حد كبير، والاسم -إنديورانس- يُرى بوضوح على مؤخرة السفينة، ويذكر عالم الآثار البحرية منسون باوند، أحد أفراد الرحلة التي اكتشفت السفينة الغارقة، أنه قد حقق طموح مسيرته المهنية التي استمرت 50 عاما “دون أي مبالغة، هذا هو أفضل حطام سفينة خشبية رأيته في حياتي حتى الآن”، ويضيف للبي بي سي نيوز “إنها شامخة، تفترش قاع البحر، وفي حالة رائعة”.

تم تمويل مشروع العثور على السفينة المفقودة من قبل صندوق التراث البحري في جزر فوكلاند (Falklands Maritime Heritage Trust/ FMHT)، باستخدام كاسحة الجليد الجنوب أفريقية أغولاس 2، والمجهزة بغواصات تعمل عن بُعد، وقد وصف قائد البعثة؛ عالم الجغرافيا القطبية الدكتور جون شيرز، اللحظة التي التقطت فيها الكاميرات اسم السفينة بأنها “مذهلة”.

وأضاف أن “اكتشاف الحطام هو إنجاز مذهل، لقد أكملنا بنجاح أصعب عملية بحث عن حطام سفينة في العالم، بخوضنا خلال الجليد والعواصف الثلجية ودرجات الحرارة التي تنخفض إلى ما دون 18 درجة مئوية. لقد حققنا ما قال الكثير عنه إنه مستحيل”.

أين وجدت السفينة؟

تم رصد إنديوراس في بحر ويديل على عمق 3008 أمتار، حيث قامت الغواصات بتمشيط منطقة بحث محددة مسبقا لأكثر من أسبوعين، وتم استكشاف أهداف مختلفة مثيرة للاهتمام، قبل الكشف أخيرا عن موقع الحطام يوم السبت 5 مارس/آذار الجاري، في الذكرى المئوية لجنازة شاكلتون، وقضى الفريق الأيام التي تلت الاكتشاف في عمل سجل فوتوغرافي مفصل للسفينة والمنطقة المحيطة بها.

الحطام في حد ذاته معلم تذكاري بموجب معاهدة أنتاركتيكا (Antarctic Treaty) الدولية ويجب عدم التعرض له بأي شكل من الأشكال، ولذلك لم يتم جلب أي قطع أثرية مادية إلى السطح.

العثور على السفينة باستخدام كاسحة الجليد الجنوب أفريقية أغولاس 2 (صندوق التراث البحري في جزر فوكلاند وناشونال جيوغرافيك)

ما التقطته الغواصات

تبدو السفينة إلى حد كبير كما صورها فرانك هيرلي (Frank Hurley)، صانع أفلام شاكلتون، للمرة الأخيرة في عام 1915، فقد كانت الصواري محطمة، وحبال الأشرعة متشابكة، لكن هيكل السفينة بحالة جيدة، ويظهر بعض الضرر في مقدمة السفينة، حيث يفترض أن تكون السفينة قد اصطدمت بقاع البحر أثناء غرقها، كما أن المراسي موجودة، حتى أن الغواصات قد رصدت بعض الأحذية والأواني الفخارية.

يقول منسون باوند للبي بي سي “يمكنك حتى أن ترى اسم السفينة -ENDURANCE- على مؤخرة السفينة مباشرة أسفل درابزين سطح السفينة (حاجز خشبي حول منطقة السطح)، وتحتها توجد Polaris -النجمة الخماسية- والتي كانت سبب تسمية السفينة في الأصل”.

وأضاف: “أقول لك، يجب أن تكون مصنوعا من الحجر حتى لا تشعر بقليل من القشعريرة عند رؤية هذه النجمة والاسم أعلاها، حتى أنه يمكنك أن ترى كوة هي مقصورة شاكلتون. في تلك اللحظة، تشعر حقا بأنفاس الرجل العظيم خلفك”.

ما أشكال الحياة التي علقت على السفينة؟

من المثير للاهتمام، أن الحطام قد استُعمر بالعديد من أشكال الحياة -ولكن ليس من النوع الذي قد يضر بها، وقد علقت عالمة أحياء أعماق البحار القطبية، الدكتورة ميشيل تيلور، من جامعة إسكس (Essex University) قائلة “يبدو أن هناك القليل من التلف في الأخشاب، مما يدل على أن الحيوانات التي تتغذى على الخشب الموجودة في مناطق أخرى من محيطنا ليست موجودة في منطقة أنتاركتيكا الخالية من الغابات”.

وتضيف: “إن إنديورانس، التي تبدو وكأنها سفينة أشباح، مليئة بتنوع مثير للإعجاب من الحياة البحرية في أعماق البحار -مثل بخاخ البحر، وشقائق النعمان، والإسفنجيات من مختلف الأشكال، ونجوم البحر، وكلها تتغذى بالترشيح من المياه العميقة الباردة لبحر ويديل”.

ما أهمية هذه السفينة؟

أهمية السفينة تنبع من سببين؛ الأول هو قصة رحلة شاكلتون الشيّقة عبر القطب الجنوبي، والتي انطلقت للقيام بأول عبور للقارة القطبية الجنوبية، لكنها اضطرت إلى التخلي عن المهمة عندما حوصرت بالجليد، وبعد ذلك تَمَكُّن شاكلتون بطريقة ما من إيصال رجاله إلى بر الأمان، حيث استقل قارب نجاة صغيرا عبر البحار العتيدة للحصول على المساعدة.

السبب الآخر كان التحدي في حد ذاته للعثور على السفينة، فبحر ويديل مغطى بشكل دائم بالجليد البحري السميك، وهو نفس الجليد البحري الذي مزق جسم إنديورانس، ويعد الاقتراب من موقع الغرق المفترض صعبا بدرجة كبيرة، ناهيك عن القدرة على إجراء بحث.

ولكن هذا أيضا جزء من نجاح مشروع صندوق التراث البحري في جزر فوكلاند، فقد شهد الشهر الماضي أدنى مستوى من الجليد البحري في القطب الجنوبي تم تسجيله على الإطلاق خلال العصر الحديث، والذي يمتد إلى السبعينيات، أي أن الظروف كانت مواتية بشكل غير متوقع.

أنهت السفينة أغولاس (The Agulhas) مسح الحطام وغادرت موقع البحث يوم الثلاثاء، وتتجه الآن إلى مينائها الرئيسي في كيب تاون معتزمة دخول إقليم ما وراء البحار البريطاني في جنوب جورجيا حيث دفن شاكلتون. ويقول الدكتور شيرز، مستخدما اللقب الذي أطلقه طاقم إنديورانس على شاكلتون “نحن في طريقنا لتقديم احترامنا للرئيس”.

المصدر : بي بي سي + مواقع إلكترونية

تابعنا على فيسبوك 

قم بكتابة اول تعليق

Leave a Reply

لن يتم نشر بريدك الالكتروني في اللعن