جـــريـــدة الاخـــبـــار: شيع حزب الله وحركة أمل، أمس، في الضاحية والجنوب والبقاع والشمال، شهداء كمين الطيونة الغادر الذي نفذه عناصر من القوات اللبنانية أول من أمس. فيما باشر مفوّض الحكومة لدى المحكمة العسكرية بالإنابة القاضي فادي عقيقي تحقيقاته، وتفقد مسرح الجريمة، وكلف مديرية الاستخبارات في الجيش جمع المعطيات. وسحب عناصر من المخابرات تسجيلات عدد كبير من كاميرات المراقبة الخاصة بالشركات والأبنية في المنطقة، وطلبت مديرية المخابرات من قوى الأمن الداخلي تزويدها بنسخة من تسجيلات كاميرات التحقق المروري.
ووسط تضارب كبير حول التحقيقات تبيّن أن التوقيفات التي يجري الحديث عنها تشمل فعلياً من سبق للقوى الأمنية أن أوقفتهم أو لاحقتهم على خلفيات جنائية، فيما يجري التعتيم على «حالة خاصة» تعود إلى شخص من آل طوق، ليس من سكان المنطقة، موجود في مستشفى أوتيل ديو في حال حرجة، ويجري التكتم على وضعه وظروف إصابته.
وعلى رغم أن النيابة العامة التمييزية طلبت من كل الأجهزة الأمنية التحقيق في الجريمة، إلا أن أجهزة بارزة نفت تلقيها تكليفاً خطياً وواضحاً بالأمر من عقيقي الذي يطلب من كل الأجهزة تزويد مخابرات الجيش بما لديها من معطيات. علماً أن رئيس جهاز أمن الدولة طوني صليبا تشاور مع الأمن العام وقوى الأمن الداخلي في لائحة أسماء عناصر قواتية يعتقد أنها شاركت في إطلاق النار. كما تحدث أمنيون عن معلومات لم يجر توثيقها بعد تتعلق بقدوم مجموعات من خارج منطقة عين الرمانة إلى المحلة عشية المجزرة.
في غضون ذلك، أكّدت مصادر الثنائي الشيعي أن الملف «بات في عهدة القوى الأمنية، ونحن ننتظر النتائج. وفي حال لم تُعالج كما يجب فإن الجريمة لن يُسكت عنها… والأيام قادمة». وأكدت المصادر أن الطرفين لا يزالان على موقفهما بأن «وزراء حزب الله وحركة أمل لن يشاركوا في أي جلسة للحكومة إلا إن كان على جدول أعمالها بندان لا ثالث لهما: تنحية المحقق العدلي طارق البيطار ومجزرة الطيونة، ولن يكون هناك نقاش في أي بند آخر قبل البت بهما… ولا تراجع عن ذلك». وهو الموقف الذي نقله وزير الثقافة محمد مرتضى إلى موفدي الرئيسين ميشال عون ونجيب ميقاتي، مؤكداً أنه «يجب تنحية البيطار… أوجدوا الطريقة التي ترونها مناسبة، وهذا مطلب لا عودة عنه».
وعلمت «الأخبار» أن ميقاتي كان يبحث أمس في إمكانية الدعوة إلى عقد جلسة حكومية وإحراج الثنائي، إلا أن مقرّبين منه نصحوه بعدم الإقدام على ذلك. وقالت مصادر مقربة من حزب الله وحركة أمل إن «ميقاتي يحاول تحييد نفسه وتصوير الخلاف على البيطار على أنه بيننا وبين رئيس الجمهورية ميشال عون والوزير جبران باسيل»، مؤكدة أن «الموقف من حضور مجلس الوزراء لم يتغير. وهناك تواصل بين الحزب وباسيل، لا سيما في موضوع المحقق العدلي».
ويسود الانقسام «العدلية» حول أداء البيطار. إلا أن غالبية من يرون شوائب ومغالطات وتجاوزات دستورية في عمله يحاذرون إعطاء موقف ضده. فيما عُلم أن وزير العدل هنري خوري يناقش خطوات تحضر أرضية تمهد لاتخاذ إجراءات في حق البيطار في الإطار القضائي. ويدور الحديث عن وضع الملابسات التي تحيط بعمل المحقق العدلي على طاولة مجلس القضاء الأعلى الذي أتمّت الحكومة تعييناته أخيراً. وينطلق البحث من تعامل البيطار مع القضية مروراً بمعالجة الثغرات في الجسم القضائي كله، وضرورة العودة إلى ما ينص عليه الدستور في ما يتعلق بالجهات التي لها صلاحية المحاكمة.
وبحسب المعلومات، فإن ميقاتي يحاول رمي الملف في ملعب رئيس الجمهورية لمعالجته أولاً، وهو ما يرفضه الثنائي الشيعي باعتبار أنه هو رئيس الحكومة. علماً أن ميقاتي سمع تحذيراً أميركياً مباشراً من أن التعرض للبيطار سينعكس موقفاً حاسماً من الإدارة الأميركية برفض أي تعاون مع لبنان في مجال المساعدات الاقتصادية، وسيحرك ملف العقوبات ضد الشخصيات اللبنانية التي «تعرقل العدالة». وقد تركت مساعدة وزير الخارجية الأميركي فيكتوريا نولاند أحد مساعديها في لبنان لمتابعة الملف.
وعلمت «الأخبار» أن رئيس الحكومة التقى أمس وزير العدل ورئيس مجلس القضاء الأعلى سهيل عبود والقاضي غسان عويدات للبحث في الملف. وفيما جرى التكتم على ما دار في الاجتماع، اكتفت مصادر رئيس الحكومة بالقول إنه «كان جيداً، وهناك اقتناع بضرورة تحكيم لغة العقل وأن القانون هو من يجب أن يحكم». لكن عُلم أن المداولات في مكتب ميقاتي انتهت إلى خلاصات بينها:
– رفض ميقاتي القاطع أي مخرج يأخذ طابعاً سياسياً، استناداً إلى التنبيهات الأميركية، وإلى تعهده السابق للفرنسيين بعدم القيام بأي خطوة ضد البيطار ولو تطلب الأمر الاستقالة من الحكومة.
– رفض خوري أي خطوة من طرف واحد تجعله يبدو متدخلاً في عمل السلطة القضائية، وسعيه إلى الربط بين إعادة تشكيل مجلس القضاء الأعلى والبحث مع البيطار في الأمر، مقترحاً دعوة الأخير إلى اجتماع الثلاثاء، وأن يُعرض عليه القبول بعملية الفصل بين الملفات، على قاعدة أنه كما أحال القضاة على المحكمة الخاصة بهم، يفعل الأمر نفسه مع العسكريين بإحالتهم على المحكمة العسكرية والرؤساء والوزراء والنواب إلى المحكمة العليا لمحاكمة الرؤساء والوزراء والنواب ويتولى هو المدنيين، وهو أمر يرفضه البيطار، كما قد يرفض فكرة الاجتماع من أصله.
– رفض عبود القيام بأي خطوة ورفعه السقف بالحديث عن الترهيب السياسي، فيما لم يجب عن سبب تصرف محكمة التمييز باختصاص عندما تمت تنحية القاضي فادي صوان، ورفضها النظر في الدعوى الجديدة بحجة عدم الاختصاص. علماً أن عبود يزعم بأن صوان زاره وأبلغه برغبته بالتنحي لأنه لا يريد تحمل مسؤولية ملف بهذا الحجم.
– اعتقاد عويدات بأن الأمر ممكن حله من خلال محكمة التمييز، واستبعاده إمكان تغطية الشوائب في عمل البيطار.
إلى ذلك، أشارت مصادر قضائية إلى وجود دعويين لدى محكمة التمييز. واحدة ارتياب مشروع وأخرى تمييز في الدفوع الشكلية، مستغربة كيف لم يبت بها بعد، ولماذا تتأخر القاضية رندى كفوري في اتخاذ القرار بشأنها، بينما زملاؤها اتخذوا قرارات سريعة، علماً أنهم خالفوا القانون وردوها من دون تبليغات، لا لصقاً ولا عبر أي جهة أخرى.
قم بكتابة اول تعليق