“السوشيال ميديا” قضاءُ العصر

كتب حبيب عز الدين: كنّا قديماً نُسارعُ إلى تشغيلِ التلفاز لمُشاهدةِ الإعلام وهو يُمارسُ سلطتَه الرّابعة في مُلاحقةِ المُقصّرين ومُحاكمَةِ الفاسِدين، ونُتابِعُ بدقّةٍ أسماءَ المُتورّطين ونستمعُ إلى كشفِ الصحافيين لملفّات الفساد، عندما كانَت الكاميراتُ الصحافيّة هي سلاحُنا الذي لا نملكُه، إنّما نتبنّى مُلكيّته بالنظرِ والسّمع، نشكرُ مالكَه على كُلِّ صورةٍ أو مقطعَ فيديو أو كلمة، تصُبّ في نُصرتِنا ضدّ أربابِ الفَساد، حينَ كانت الشّاشةُ هي ملاذُ حقوقِنا وحاضنةُ غضبِنا ونقدِنا وعتبِنا.

 

أمّا اليوم، في عصر السُرعة، وزمنِ “السوشيال ميديا”، نحنُ لا نُسارعُ إلى ملاذٍ هنا وحاضِنة هناك، ولا ننتظرُ متحدّثاً باسمِنا لا اتصالَ معهُ ولا تواصل، يتكلّم باسمِ حقوقِنا، بل نحنُ نملكُ السّلاح ولا نتبنّى، نحنُ الملاذُ ونحن الحاضنة، نحنُ السّلطة الرّابعة، في كل منزل وكل شارع وكل قرية وكل مدينة وكل مكان توجد السّلطة القضائيّة، التي هيَ نحنُ، بيَدِنا نحملُ مطرقةَ القاضي، نضربُ بها من نشاء ومتى نشاء، نُسارعُ إلى المُحاكمة قبلَ أن يُقادَ المُتّهم إلى أروقةِ قضاءٍ غيرِ معلوم النيّة والهويّة والإنتماء، نَقطَعُ على الفاسدِ طريقَه، نحولُ بينهُ وبينَ المُحقِّقين، نُنزلُ عليه العِقابَ ونُقاصِصُهُ فورَ الكشفِ عنه، فنستحقُّ شكرَ القضاء على إتمامِنا نصفَ القضيّة، قبلَ أن يُكملَ مراسِمَه ومراسيمَه.

 

مُحتكري الدّواء والمازوت والبنزين والغذاء، ويحَكُم، أنتُم لستُم في قبضةِ النّظام ولا في حدودِ القوانين والبروتوكولات، ولا في يدِ حافظي حقوقِ المُتهمين ولا في رحمةِ المُحامينَ عنكم، بل أنتُم اليوم في قبضةِ غضبِ جمهورٍ كبيرٍ لا حدود لهُ ولا قوانينَ رحيمة، أنتُم في قبضةِ المغدورينَ والمقتولينَ والمظلومين، أنتم في مُعتقلاتٍ ليسَت أرحمَ من سجونِ الديكتاتوريين، لكنّها ليسَت ظالمة ولا ديكتاتوريّة، بل ثائرة غاضبة وحُرّة، أنتُم اليوم أمواتٌ في قبضةِ شعبٍ حكمَ عليكم بالسّجن تارة، وبالإعدامِ تارةً أخرى، نزلَت عليكم كلُّ أشكالِ التّعذيب، وحُكمَ عليكم بكُلِّ الأحكام، وتقفونَ أمامَ ملايينِ القضاة، ولكلِّ قاضي حكمُهُ فيكم.

 

أمس واليوم وغد وكلُّ يوم، يُثبتُ الشّعبُ رُعبَهُ ويُثبّتُ قدرتَهُ وإرادتَهُ على مُحاكمةِ الفاسدين، من خلالِ فضحِهم والمُساهمةِ في نشرِ صورِهم، والتحدّث عن تهمتِهم، وإنزالِ اشدِّ قسوتِهم بحقّهم، فويلٌ لكلّ فاسدٍ محتكر، أمامَ آلةِ الفضحِ الشّرسة، وهنيئاً لكُلّ فاضحٍ مُتحرّر، استقلّ عن كل انتماءٍ وسياسة، حتّى يبلغَ الوطن.

تابعنا على فيسبوك

قم بكتابة اول تعليق

Leave a Reply

لن يتم نشر بريدك الالكتروني في اللعن