تركت الحرب الروسية – الأوكرانية أسعار المحروقات في لبنان والعالم بلا سقف، وذلك نتيجة الضغوط التي تمارسها على سعر برميل النفط، الذي سجّل أمس 127 دولاراً للبرميل الواحد، وهو سعر قياسي لم يبلغه منذ نحو 13 عاماً.
لكن يبدو أنّ الأزمة لن تتوقّف عند هذا الحدّ، خصوصاً بعد أن اتخذت إدارة الرئيس الأميركي جو بايدن قراراً يمنع استيراد النفط الروسي والغاز الطبيعي المسال والفحم إلى الولايات المتحدة، من طرف واحد وبلا مشاركة الحلفاء في الاتحاد الأوروبي، وذلك من أجل “الردّ بقوّة أكبر على غزو أوكرانيا”.
وبعد أن اتّخذت الولايات المتحدة هذه الخطوة، فإنّ سعر برميل النفط سيرتفع في حال تصاعدت استمرت الحرب، إلى ما بين 185 و200 دولار، وذلك بحسب خبراء أميركيين. في حين أنّ روسيا أعلنت أنّ خطوة كهذه سترفع برميل النفط إلى 300 وليس إلى 200 دولار فحسب.
لبنانيّاً، كيف يمكن ترجمة هذا الكلام؟
ظهرت الترجمة بالأحرف الأولى، صباح أمس الثلاثاء، مع إصدار وزارة الطاقة جدول الأسعار المركّب للمحروقات، الذي قضى برفع صفيحة البنزين 28 ألف ليرة (425 ألفاً لـ95 أوكتان و434 ألفاً لـ98 أوكتان)، فيما ارتفع سعر المازوت إلى 427 ألفاً بزيادة 52 ألفاً.
وبناء عليه، إذا صحّت التوقّعات الأميركية “المتفائلة” وبلغ سعر البرميل بين 185 و200 دولار، فإنّ سعر صفيحة البنزين في لبنان قد يصبح بين 630 و675 ألفاً. أمّا وفقاً للتوقّعات الروسية “المُهَوِّلة”، فإنّ احتساب السعر وفقاً لـ300 دولار للبرميل، يُظهر أنّ الصفيحة ستكون بنحو 50 دولاراً أميركياً، أي قرابة 1.1 مليون ليرة، وهذه الحسبة وفق سعر منصة “صيرفة” التي استطاعت أن تفرض استقرار سعر الصرف بحدود 20 ألف ليرة لبنانية. أمّا إذا عاد سعر الصرف إلى الارتفاع لأيّ سبب، فإنّ سعر الصفيحة سيفوق 1.5 مليون ليرة في أقرب تقدير.
شحّ… لا انقطاع
لكن بعيداً عن كلّ هذه الافتراضات وعن حسابات التفاضل (Calcul différentiel)، فإنّ الأزمة قد بدأت فعليّاً مع إعلان ممثّل موزّعي المحروقات فادي أبو شقرا، خلال حديث تلفزيوني يوم الجمعة الفائت، أنّ مخزون المحروقات في لبنان “يكفي لأربعة أو خمسة أيام فقط”، فكانت هذه الجملة كفيلةً بعودة الطوابير على أبواب المحطات، ومناسبةً لبعض أصحاب المحطات الذين حاولوا الاستفادة من مخزونهم لبيعه على التسعيرة الجديدة، فارتأوا أن يرفعوا خراطيم محطّاتهم والتوقّف عن البيع خلال نهاية الأسبوع.
يقول عضو نقابة أصحاب المحطات جورج براكس، في اتصال مع “أساس”، إنّ بين مصطلحيْ “انقطاع البنزين” و”شحّ البنزين” فرقاً كبيراً، فالشحّ موجود في كلّ دول حوض البحر المتوسط، وليس في لبنان فقط، خصوصاً أنّ التصعيد العسكري “بقي مضبوطاً ومحدوداً” ولم يوصلنا إلى مرحلة اختفاء المحروقات كليّاً. وعليه فإنّ الكميّات التي تصل إلى لبنان “تكفي استهلاكه في الحدود الدنيا”، وتلافي الأزمة يتطلّب عنصرين أساسيّين، في نظر براكس، وهما:
1- الوصول إلى توافق بين وزارة الطاقة والشركات المستوردة على آليّة واضحة لتحديد الأسعار، لأنّ هذا التوافق “يضمن استقراراً في أسعار المحروقات”. ففي الحالات الطبيعية كانت وزارة الطاقة تحدّد الأسعار وفق معدّل تعود بتركيبه إلى 4 أسابيع إلى الخلف، لكنّنا الآن في وضع استثنائي جدّاً، والأسعار تتغيّر كلّ ساعة وليس كلّ يوم.
2- تعاضد المواطنين اللبنانيين بأن يحافظوا على برودة أعصابهم. هذا بحسب براكس “ضروري جدّاً لتفادي عودة مشهد الطوابير على أبواب المحطات”. خصوصاً أنّ خزّانات السيارات التي تصطفّ على أبواب المحطات لا تسع أكثر من 10 ليترات، وهذا يؤكّد حالة الهلع التي تصيب الناس.
أمّا عن جشع المحطات واحتمال إخفائها للمخزون من أجل التكسّب والربح، فاعتبر براكس أنّ “في لبنان 4 آلاف محطة وقود، وكلّها لا تحصل على كميّات تفوق العادة”. لذلك فالبناء على هذا الاحتمال لتبرير الأزمة قد يكون “أمراً مبالغاً فيه”، خصوصاً أنّ ثمن الصهريج اليوم هو “بحدود 500 مليون ليرة لبنانية، وهذا مبلغ ليس سهلاً جمعه في غضون أيام لغاية التخزين”.
إذاً، بناء على كلّ ما أسلفنا ذكره، وفي ظلّ عدم وجود وسائل نقل عامّة في لبنان، سيتحمّل اللبنانيون هذه الأعباء بشكل مباشر، خصوصاً أن لا بدائل لديهم.
معادلة الأيام المقبلة ستكون محصورة بمصطلح وحيد هو “الاستنزاف”: إمّا جيبك وإمّا قدماك… اختر ما يناسبك!
المصدر: صحيفة الأنباء
قم بكتابة اول تعليق