بما تيسّر، تُنجز المعاملات في إدارات الدولة ومؤسساتها. ففي ظلّ أزمة مالية غير مسبوقة ومستمرة، بات من الصعب إتمام معاملة في موعدها الطبيعي. حتى تلك التي كان إتمامها “تحصيلَ حاصل”، أصبح الحصول عليها مشقّة، وبات إصدار إخراج قيدٍ فردي من دوائر النفوس أو الحصول على رقم مالي من وزارة المالية أو إفادة عقارية أشبه بالفوز بـ”ورقة لوتو” في زمن الانهيار.
اليوم، ثمّة أزمة على بساطتها، إلا أنها تشُلّ العديد من مؤسسات الدولة، وهي أزمة النقص الفادح في الأدوات المكتبية اللازمة لإنجاز المعاملات، من الأوراق البيضاء إلى أوراق الإيصالات إلى القرطاسية، من دون أن ننسى الكهرباء. غياب هذه الأمور يجعل من مَهمة إصدار ورقة مهمة رسمية، مهمة مستحيلة.
مصلحة تسجيل السيارات
منذ الرابع من نيسان الماضي، توقف العمل كلياً في مصلحة تسجيل السيارات. مجموعة أسباب تراكمت وأدّت إلى هذه النهاية، منها جائحة كورونا التي فرضت حضوراً مخفّفاً في تلك الإدارة، مروراً بأزمة المحروقات، وصولاً إلى “الإفلاس” الذي تعانيه اليوم في ما يخصّ المستلزمات المكتبية.
بطاقات الهوية
من جهة أخرى، تواجه مديرية الأحوال الشخصية في وزارة الداخلية والبلديات في بطاقات الهوية الأزمة نفسها التي يواجهها الأمن العام في ما يخصّ استصدار جوازات السفر، لكون الشركة هي نفسها. ولئن كان المدير العام للأحوال الشخصية العميد الياس خوري يطمئن بأن لا أزمة هذا العام، إلا أن بعد ذلك لا يمكن تقدير ما يمكن أن يكون عليه الموقف.
مع ذلك، يشير إلى أن لجنة المال والموازنة وافقت على طلب 15 مليار ليرة لزوم طباعة بطاقات الهوية، ومن المفترض أن “هناك مستنداً في يدنا” للتفاوض مع الشركة.
هكذا، تسير الأمور في المديرية: خطوة خطوة. ولأجل ذلك، يضع العميد خوري “برنامج عمل” لأقلام النفوس يقوم على قاعدة “إعطاء كلّ قلم، كلّ أسبوع، على قدر ما استهلكه خلال الأسبوع الماضي”، يعني “حتى ما نكبّر فشختنا”.
أزمة الخبز
اعتباراً من يوم غد، ستبدأ أزمة الخبز بالظهور مجدداً. هذه المرّة، مثل المرّات الأخيرة، ستكون الأزمة عبارة عن انقطاع في مناطق محفّز بطلب استهلاكي متزايد للتخزين حتى يصبح توافر الخبز مقنناً في كل لبنان. وما يثير القلق هو أن المعالجات لم تعد مرتبطة بالتمويل من مصرف لبنان لدفع ثمن القمح المستورد فحسب، بل بصعوبة الاستيراد والحصول على السلعة في الوقت اللازم حتى لو توافر التمويل.
مخزون القمح المتوافر حالياً “لا يكفي لأكثر من أسبوعين فقط” بحسب نقيب أصحاب الأفران علي إبراهيم، فيما “لا توجد أي طلبات لاستيراد قمح إضافي. البدائل معدومة”. ولفت إبراهيم إلى أن “مستوردي القمح أرسلوا منذ أسبوعين كتاباً لوزارة الاقتصاد حذروا فيه من أنهم سيتوقفون عن الاستيراد، ولم يحرك أحد ساكناً”.
أحدث المعطيات تشير إلى “توقف قسم من المطاحن عن العمل ومنها واحدة في الكرنتينا من أكبر المطاحن في لبنان، والتي نضب مخزونها من القمح ولا تنوي الاستيراد” وفقاً لرئيس نقابة أصحاب المطاحن أحمد حطيط. نتائج هذا التوقف ستظهر فوراً لأن “المطحنة التي توقفت عن العمل، مضافاً إليها مطحنتان أخريان تغطّيان 80% من حاجة السوق اللبنانية من الخبز العربي. ومن المستحيل أن تحلّ مطحنة مكان مطحنة أخرى لتغطية النقص، بخاصة إذا كانت بهذا الحجم” على ما يقول حطيط. أما أسباب الأزمة فهي ذاتها في كل مرّة، وتعود إلى “العذاب الكبير في تحويل الأموال من قبل مصرف لبنان إلى المستوردين. فعلى سبيل المثال استوردت باخرة قمح منذ شهر ونصف، ولم يفتح لها مصرف لبنان الاعتمادات إلا يوم الخميس الماضي”.
واوضح حطيط أن الخطورة هذه المرّة تكمن في المدّة التي تستغرقها عملية استيراد القمح “ففي حال أخذنا قراراً باستيراد القمح اليوم، لن تصل الشحنات قبل شهر ونصف. أما التعويل على شراء شحنات من بواخر في البحر ففي غير محلّه، إذ هناك صعوبة بالغة في الاعتماد على هذا الخيار لأنه مع بداية الحرب في أوكرانيا كان سهلاً شراء شحنات من بواخر في البحر بسبب الارتفاع الكبير في أسعار القمح عالمياً، ما أدّى إلى إلغاء بعض العقود لصالح عقود أعلى، بالتالي تحويل البواخر إلى المشتري الذي يدفع أكثر. لكن في الوقت الراهن، فالأسعار ارتفعت ومن الصعب إلغاء عقود مقابل فروقات بسيطة في الأرباح”.
قم بكتابة اول تعليق